الأحد، 22 مايو 2011

القواعد العامة للتعاونيات التحررية


القواعد العامة للتعاونيات التحررية

سامح سعيد عبود

التعاونيات التحررية مستقلة تماما عن كافة المؤسسات الحكومية، و الشركات الرأسمالية، وتمول نفسها ذاتيا بمساهمات الأعضاء. تمارس كل الأنشطة الاقتصادية، بإنتاج سلع وتقديم خدمات،و تتكامل بالاتحاد فى اتحادات نوعية أو اتحادات محلية أو وطنية، أو إقليمية أو دولية، من أسفل إلى أعلى، على نفس الأسس والقواعد التى تحكم التعاون التحررى. تتكامل وتتعاون فيما بينها لتوفر كافة احتياجات أعضاءها من السلع والخدمات بعيدا عن الدولة ورأسالمال.

عضوية التعاونية طوعية ومفتوحة لكل من يطلبها بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو آراءه السياسية أو دينه أو قوميته أو وضعه الاجتماعي. تلتزم التعاونية التحررية بعدم استخدام أى عمل مأجور أو عمل جبرى فى أى نشاط من أنشطة التعاونية. تلتزم بأن لا توفر السلع والخدمات لغير أعضاء التعاونية فى حين تتبادل السلع والخدمات مع التعاونيات الأخرى. تساعد كل من يرغب فى التعامل معها كمنتج أو كمستهلك على الانضمام إليها كعضو بحصة فى رأسالمال .

لكل عضو فى التعاونية صوت واحد بصرف النظر عن حصته فى رأسالمال. لكل عضو أن ينسحب من التعاونية فى أى وقت، على أن يأخذ حصته التى دفعها فقط من رأسالمال. تحدد سياسة التعاونية و قرارتها الاجتماعات الدورية والاستثنائية لكافة أعضاء التعاونية، وذلك بالأغلبية المطلقة لأصوات الأعضاء. تفوض الاجتماعات الدورية والاستثنائية من تراه الأكفأ من بين الأعضاء لأداء المهام الإدارية، فى فترات عدم انعقاد الاجتماعات الدورية والاستثنائية.

كل أعضاء التعاونية مرشحين للتفويض وناخبين للمفوضين فى نفس الوقت ، و يتم تفويض من يحوز منهم على أصوات أكبر عدد من الأعضاء. على الأعضاء خلال اجتماعاتهم الدورية والاستثنائية سحب التفويض من المفوضين بالإدارة أو إعادة تفويضهم ، ومحاسبتهم على ما أدوه خلال الفترة ما بين الاجتماعات.

يوزع صافى العائد الناتج عن نشاط التعاونية على شكل نسب محدودة يتفق عليها الأعضاء على الترتيب التالى. أولا لتكوين الاحتياطى المالى للتعاونية وهو غير قابل للتجزئة. ثانيا لمكافأة رأسالمال. ثالثا للخدمات الاجتماعية والتعليمية والثقافية التى تقدمها التعاونية لأعضاء التعاونية و المجتمع المحلى. رابعا لمكافأة المفوضين بالإدارة عن أعمالهم الإدارية التى أدوها. يوزع الباقى من عائد التعاونية الناتج عن نشاطها الإنتاجى للسلع والخدمات على الأعضاء المنتجين وفق ما أداه العضو من جهد فى الإنتاج. و يوزع الباقى من أرباح التعاونية الناتج عن نشاطها الإستهلاكي للسلع والخدمات على الأعضاء المستهلكين، وفق ما استهلكه العضو من سلع وخدمات.

تضع التعاونية عند التعامل مع الغير، الإلتزام بالتعاون مع التعاونيات و إعطاءها الأولوية فى التعامل قبل الأفراد غير الأعضاء و المؤسسات الحكومية و المؤسسات الرأسمالية، التى يتم التعامل مع أى منها عند عدم وجود تعاونيات يمكن التبادل والتعاون معها، وفى أضيق الحدود الممكنة وعند الضرورة فقط.

نحو ديمقراطية عمالية

نحو ديمقراطية عمالية

سامح سعيد عبود

العمال هم من لا يملكون سوى قوة عملهم، المضطرون لبيعها فى سوق العمل مقابل أجر ما، وفي نفس الوقت لا يملكون سلطة إتخاذ القرار، فهم محرومون من تحديد كل ما يتعلق بظروف عملهم وحياتهم من قرارات وقوانين وسياسات، فهم عزل من أي سلاح سوى سلاح وحدتهم في مواجهة من يتحكمون فيهم ويتسلطون عليهم ويظلمونهم ويستغلونهم.

يشكل العمال المصريون ثمانين بالمئة من قوة العمل، وينتجون معظم الإنتاج المحلي، وفي الوقت نفسه لا يحصلون سوى على أقل من 20 بالمئة من ذلك الناتج المحلي، في صورة أجور متدنية، في حين يحصل الرأسماليون وكبار المديرين والمسئولين في الحكومة والقطاعين العام والخاص على الباقي من الناتج المحلي في صورة أرباح وفوائد وأجور مرتفعة وامتيازات نقدية وعينية واجتماعية.

تتحدد مصالح العمال في حدها الأدنى، الذي نطالب به في الوقت الحالي، في أجور أعلى وأسعار أرخص وعدد ساعات عمل أقل، وتتحدد في حدها الأقصى، وهو الحل النهائي للصراع الدائم بين قوة العمل وقوة رأس المال، في التخلص من نظام العمل المأجور والتخلص من الرأسمالية، وهذا يتناقض بالضرورة مع مصالح الرأسماليين وكبار رجال الإدارة والمسئولين.

لا يملك العمال سوى خمس الثروة القومية، التى ينتجونها هم بشكل أساسي، في صورة ملكيات صغيرة ومحدودة، في حين يملك الرأسماليون وكبار المديرين والمسئولين أربعة أخماس الثروة القومية.

في ديمقراطية الرأسماليين وكبار المديرين والمسئولين لا يملك العمال عمليًا سوى حق انتخاب ممثليهم فى البرلمانات والمجالس المحلية وهم بالضرورة من الرأسماليين وكبار المسئولين فهؤلاء هم وحدهم القادرون عمليًا بما يملكونه من ثروة على ترشيح أنفسهم فى أية انتخابات، وهم بالطبع لن يعبروا إلا عن مصالحهم هم لا مصالح العمال.

ديمقراطية العمال تتضمن الإدارة العمالية الذاتية لكل وحدات الإنتاج والخدمات العامة والحكومية والخاصة، وهو ما يحدث بالفعل عند انسحاب الرأسماليين والمديرين ورجال السلطة والشرطة، بما يعنى حق العمال فى انتخاب رؤسائهم ومديريهم ومحاسبتهم ورقابتهم وعزلهم وتكليفهم والتحقيق معهم وتحديد ما يحصلون عليه من أجور وامتيازات، وحق العمال فى تقرير ما يؤثر عليهم وعلى ظروف عملهم من قرارات و حقهم في اقتراح مشاريع قرارات تتعلق بظروف عملهم أو الاعتراض علي أية قرارات تتعلق بظروف عملهم.

ديمقراطية العمال تعني ممارسة الناخبين لحقهم في محاسبة المسئولين في السلطات المختلفة التنفيذية والتشريعية ورقابتهم وتكليفهم وعزلهم والتحقيق معهم وتحديد ما يحصل عليه المسئولون من أجور وامتيازات، وحق الناخبين في تقرير ما يؤثر عليهم وعلى ظروف حياتهم من قرارات وقوانين و حقهم فى اقتراح مشاريع قرارات وقوانين تتعلق بحياتهم أو الاعتراض عليها.

ديمقراطية العمال هي سلاحنا لإكمال ثورتنا حتى النهاية، هي سلاحنا ضد سلطة رأس المال التي تسرق جهد عملنا، وهي سلاحنا ضد سلطة الدولة القمعية التي تسرق منا حياتنا، فحين انسحب الجميع، رأسماليين وشرطة دولة، مارسناها بشكل مباشر في لجاننا الشعبية، وما ديمقراطية العمال سوى توسيع لهذه الخبرة التي اكتسبناها بصورة مباشرة، ومدًا لها على نطاق أوسع، من أجل مجتمع عادل ينظم نفسه بنفسه عن طريق ديمقراطيته العمالية المباشرة.

الخميس، 19 مايو 2011

جذور الأزمة الرأسمالية الأخيرة

جذور الأزمة الرأسمالية الأخيرة

سامح سعيد عبود

لم ير العالم أزمة اقتصادية عالمية تكاد تودى بالاقتصاد العالمى بمثل هذه الحدة، وهذا العمق، منذ ﻧﻬاية الحرب العالمية الأولى، أى منذ عام ١٩١٨، وكما فى أزمة الثلاثينات من القرن العشرين ابتدأت الأزمة أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية ثم أمتدت إلى دول العالم التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008 إلى 19 بنكاً، كما تم توقع المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكاً، "و قد بدأت الأزمة فى ﻧﻬاية ٢٠٠٧، و وصلت إلى الذروة فى ١٦ سبتمبر عام 2008، عندما انهارت واحدة من أكبر المؤسسات المالية فى العالم، وقد ارتكبت الحكومة الأمريكية خطأ جسيم، حين تركت هذه المؤسسة تنهار، والتى كانت مرتبطة بكافة المؤسسات المالية فى العالم، فضاع على العالم ٧٤٠ مليار دولار فى يوم واحد، تلاها اﻧﻬيار تام فى الثقة المتبادلة بين المؤسسات المالية، و أدى ذلك إلى أن البنوك لم تعد تقرض بعضها، و لم تعد تقرض الشركات والمؤسسات المالية أو الاقتصادية، و انتهى الأمر إلى أن سوق الإقراض أصيب بشلل تام، ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، مرت أربعة أيام على أسواق الاقراض فى لندن دون أن يكون هناك سعر فائدة، حيث أن سعر الفائدة عادة يتم تحديده عن طريق التبادل، فالبنوك تقرض بعضها البعض مثلما يحدث فى البورصة، و سعر السهم يحدد بتبادل المضاربين للأسهم، كما أن سعر الصرف ناتج عن تبادل العملات، ومن هنا حدثت أزمة حادة على مستوى العالم، وهذا بالطبع أنعكس على الشركات التى تعتمد على الاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية، مما أدى لتوقفها عن النشاط، وبالتالى لم تعد تنتج سلع أو تقدم خدمات، وبناء على هذا تم تسريح العاملين بها، وفى نفس الوقت فإن هذه العمالة كان عليها ديون لحساب الجهاز المصرفى فى شكل بطاقات ائتمان، بناء على ما اقترضته لشراء بضائع استهلاكية كالسيارات والسلع المعمرة والعقارات السكنية وغيرها، و هؤلاء بعد تسريحهم توقفوا عن سداد ما عليهم من أقساط القروض، وبالتالى تفاقمت أزمة البنوك أكثر، وخصوصا بعد أن توقفت الشركات عن النشاط، و توقفت عن سداد ما عليها من أقساط الديون و فوائدها للبنوك، وبالتالى تفاقمت المشكلة التى تواجهها البنوك العالمية، وتم دخول العالم فى دائرة مفرغة أدت إلى شلل تام فى الاقتصاد العالمى، وقد وصلت مجموعة الأصول التى لا تتوقع البنوك تحصيلها، والتى سميت بالأصول السامة إلى ٤ تريليونات دولار، أى أربعة آلاف مليار دولار على مستوى العالم، وبالتالى ارتبكت أسواق العالم، وارتبكت المؤسسات العالمية، مما أدى إلى اﻧﻬيار تام فى الاقتراض، وبالتالى اﻧﻬيار تام فى النشاط الاقتصادى، و بلغ معدل النمو فى الاقتصادى العالمى -1.5 % بالسالب عام ٢٠٠٩، بمعنى أنه حدث انكماش فى الاقتصاد العالمى بنسبة -1.5 %، وانخفض متوسط دخل الفرد، و بالكاد فإنه من المتوقع أن ينهض الاقتصاد العالمى إلى 1.9%، فى سنة ٢٠١٠، وهذه النسبة كانت 6.5% فى عام 2007، و قد بدأت بعض البوادر انقشاع الغمة الشديدة على الاقتصاد العالمى. إلا أننا مازلنا نعيش فى مرحلة أزمة حادة، وقد دخلت كل الدول فى برامج إنعاشية، واستطاعت أن تنفق مابين ١ و 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى الخاص بها لمواجهة تداعيات الأزمة" .
نشأت الأزمة من نظام الاقتراض من البنوك لتمويل الاسكان، حيث أن المواطن الأمريكي كان يقترض من البنك حتى يشتري من الشركات العقارية سكنا خاص به، عن طريق البطاقات الإئتمانية (والتي تدعى الفيزا كارد)، وكان سداد القروض العقارية يتم عن طريق البنوك التي تعتمد على أسعار الفائدة في تعاملاتها المالية، وكان سعر الفائدة يزيد بزيادة سعر العقار لكل سنة، وأدى ذلك في النهاية إلى عدم قدرة المواطن الأمريكي على سداد الرهن العقاري، وعدم القدرة على الالتزام بالدفعات التي ألزم بها، مما أدى بالتالي إلى إنعدام السيولة في البنوك، وعدم القدرة على تمويل المشاريع الجديدة، وانخفاض الطلب مع زيادة العرض، وانخفاض السيولة المالية، ومن ثم إعلان إفلاسها بشكل تدريجي مما أدى إلى كساد اقتصادي عالمي جديد.
رغم ضخ الحكومات للأموال مباشرة في البنوك, والخطط التي وضعها بوش للإنقاذ المالي، إلا أن الأزمة مستمرة، ولم تنتعش أسواق المال، إلا أن هناك ارتفاع طفيف في المؤشر العام بالبورصات العالمية، مما يؤكد إننا في مسار واضح من التدهور مشابه لما حدث فى الثلاثينات، فالأزمة المالية مستمرة حتى بعد أن قدمت لمواجهتها كل الحلول الممكنة، إلا أن هناك عددا من البلدان مثل الصين وإيران لم يتأثر اقتصادها بالأزمة بل على العكس تماما، فمؤشرات الاقتصاد الصينى تزداد ارتفاعاً، وذلك لأن اقتصاد هذه الدول لم يكن مرتبطا بالاقتصاد الأمريكي.
بعد معاناة طويلة للاقتصاديات العالمية، أعلنت الدول الصناعية الكبرى الثمانية دخول اقتصادياتها فى حالة الركود التي حاولت الحكومات جاهدة تفاديه، وقد أعلن الركود بعد أن ظهرت بيانات انكماش للربع الثالث من عام 2008 بنسبة 0.5 %، لكل من اقتصاد الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وأيطاليا وألمانيا وكندا.
لمواجهة الأزمة شرعت حكومة الولايات المتحدة فى شراء الديون المعدومة التي تربك وتقلق السوق المالية الأمريكية، وتهدد بانهيارها، بقيمة سبعمائة مليار دولار، وهى ديون مرتبطة بالرهن العقاري، وتعود في معظمها إلى السياسة الخاطئة للرهونات العقارية التي أعتمدها المضاربون الماليون في بورصة وول ستريت، وينص القانون الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي على مهلة لهذه الخطة تنتهي بتاريخ 31 ديسمبر، 2009، مع احتمال تمديدها بطلب من الحكومة لفترة أقصاها سنتين اعتباراً من تاريخ إقرار الخطة.
تضمنت خطة الإنقاذ أيضا جانباً خاصاً بشركتي فاني ماي وفريدي ماك كبرى شركات التمويل لقاء الرهن، والمعرضتين للإفلاس، بعدما شارفتا على الانهيار مطلع شهر أغسطس2008، وتملك وتدعم الشركتان المتضررتان رهوناً عقارية قيمتها خمسة تريليونات دولار تعادل نحو 50% من الرهون العقارية في الولايات المتحدة، وبموجب الخطة تضمن إدارة الإسكان الفيدرالية زيادة سقف القروض التي تشتريها الشركتان إلى 625 ألف مليون دولار.
يرى البعض بأن الأزمة المالية سوف يتم تجاوزها ككل أزمة مرت بها الرأسمالية، بعد مصادقة الكونغرس الأمريكي على منح الحكومة 700 مليار دولار لشراء سندات الرهون العقارية، وبالتالي استعادة عنصر الثقة بين البنوك، وبين المستثمرين في البورصات العالمية، فى حين يرى البعض الآخر أن الأزمة في الواقع ليست مالية فقط بل هي ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة، وقد شكلت الأزمة المالية احدى تجلياتها فقط، كما أن آثار الأزمة لا تنحصر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان حيث تفاقمت، بل الأزمة ذات أبعاد عالمية، وأن آثارها سوف تبرز تدريجيا في كل مكان.
وكما أوضحت فيما سبق فإن الأزمة المالية الحالية ترتبط بما يسمى بأزمة الرهن العقاري التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنة 2007، وتتمثل هذه الأزمة في عجز عدد هائل من المقترضين عن الوفاء بديونهم التي اقترضوها من أجل شراء عقارات للسكن، وقد جاء عجز المقترضين عن السداد نتيجة الزيادة التي حدثت في فوائد القروض، لأن عقود القروض تنص على أسعار فوائد متغيرة، فعلى أثر ارتفاع سعر الفائدة لم يقوى عشرات الآلاف من المقترضين على سداد ديونهم الرهنية، فقامت البنوك الدائنة بنزع ملكية العقارات، ومحاولة بيعها في السوق حيث بلغ عدد المساكن المنتزعة من أصحابها حوالي المليونين منذ سنة 2000، لكن العرض الكبير للعقارات للبيع أدى إلى تدهور أسعارها، مع عدم توافر الطلب الفعال، و بالتالي أدى هذا إلى عجز البنوك عن تدبير السيولة اللازمة لسداد مستحقاتها، مما قاد عدد منها نحو الإفلاس.
هذا النوع من القروض العقارية التى أدت إلى اشتعال الأزمة هو قرض السوبرايم، والذى يمنح للمقترض الذي لا يقدم ضمانات كافية للقرض، نظرا لضعف دخله، و هذه القروض تمنح لسنوات طويلة من 40 إلى 50 سنة، وذلك بمعدلات فائدة متغيرة وغير مرتفعة خلال السنتين الأولتين، وبعد ذلك تصبح مرتفعة جدا مما يدر أرباح كبيرة لصالح المقرضين، وخصوصا بأن سعر الفائدة يرتفع مع ارتفاع سعر العقار، وهذا أدى بالبنوك الأمريكية إلى تعميمها والتوسع فى الأخذ بها، وتعمل البنوك المقرضة على تقييم طالبى قروضها الذين يطلبون القرض بالسوبرايم، وفق نظام للنقط، فمخاطر عدم سداد القرض يتم تنقيطه حسب نظام يقيم سن المقترض ومهنته وعنوانه ودخله ووضعه العائلي ومجموع قروضه الجارية وتواريخ عجزه عن السداد، وفي بعض الأحيان نسخة من سجله الجنائى. ويقوم بهذا التنقيط مكاتب خاصة. وإذا ما ظهر بأن نقط طالب القرض غير كافية أي أقل من 620 نقطة، فإنه يوضع في خانة السوبرايم، أما فئة البرايم فتكون لطالبى القروض الذين تصل نسبة المخاطر لديهم إلى 650 نقطة. ثم هناك فئة غير البرايم و هم المرشحون الحائزون على قابلية مطلقة لسداد الديون، وبعبارة أخرى الأغنياء، فالسوبرايم تتوجه في المقام الأول للفقراء أو للعمال الفقراء. ويقدر عدد الأمريكيين الذين حصلوا على قروض ب 25 % من السكان.
"انتشرت الرهون العقارية في العالم، بهدف زيادة امكانية تقديم القروض، لتشجيع الاستهلاك هربا من حالة الركود التى تنتاب العالم منذ السبعينات، ثم لجأت البنوك الأمريكية إلى تحويل الرهون العقارية إلى سندات قابلة للتداول عالميا، وذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح، وبالتالى فقد أخرجت البنوك هذه السندات من حساباتها السنوية كقروض واجبة السداد، وذلك ببيعها كسندات عبر العالم، لمستثمرين آخرين، وبنوك أخرى، و صناديق الاستثمار، وحتى صناديق التقاعد، سواء أمريكية أو غير أمريكية، نظرا للعائدات المرتفعة لتلك السندات، وقد تهافت المستثمرون فى العالم على شراء تلك القروض المحولة إلى سندات في سعيهم المحموم للربح، فالبنوك الأمريكية تمنح هذه القروض للمستهلكين الأمريكيين، وتعيد بيعها كسندات للمستثمرين فى العالم أجمع، و من اجل استرجاع السيولة النقدية التى تنفذ بسرعة فى هذا الاقراض السهل، فإن البنوك الأمريكية ظلت تمنح قروضا جديدة، وتعيد بيعها من جديد، ذلك إن البنك يعلم أنه إذا منح قرضا فإن هذا القرض يمكن بيعه مباشرة، والخروج من حسابه السنوي، وذلك عبر تحويل المخاطر من البنك المقرض إلى المستثمر مشتري السند، و ذلك يؤدي تلقائيا إلى أن هذا السند لا يستهدف سوى استخلاص قيم أكبر منه، وهذا يتم بتداوله أكثر من مرة فى أسواق المال والائتمان، ليتضاعف سعره، بالإضافة إلى أنها تتيح للبنوك تحمل مخاطر أكبر فى عملية الاقراض، وإن هذا هو الذى يفسر امكانية اقراض مقترضين لا يتمتعون بقدرة كبيرة على السداد، و بلا ضمانات كافية، أما إذا كان البنك مضطرا للحفاظ على هذه القروض في حساباته السنوية، دون تحويلها إلى سندات قابلة للبيع، فسوف يعمل على دراسة أعمق لقابلية المقترض على سداد القرض، و عدم اقراضه سوى بعد تقديمه ضمانات كافية" .
بدأت البنوك فى تحويل القروض إلى سندات في بداية الثمانينات ، من أجل انعاش الأسواق المالية والسلعية الراكدة، وقد وضعت حكومة ريغان في ذلك الوقت الاطار القانوني لهذه التقنية لكي تتيح للبنوك زيادة أرباحها.. ثم انتشرت هذه الطريقة فيما بعد في أوروبا، ثم تعممت انطلاقا من سنة 2000 فى كل القارات بشكل عام، ثم تلتها طريقة أخرى من أجل استيلاد أرباح خيالية للبنوك من تلك القروض المحولة إلى سندات، تتمثل في تقسيم الدين الواحد إلى أجزاء، تم تحويله إلى سندات قابلة للمساومة والتداول عبر الأسواق العالمية، بحيث تكون أجزاء من تلك الديون بمخاطر عليا وأخرى بمخاطر متوسطة وأخيرة بمخاطر دنيا ... الخ، وبهذه الطريقة جابت هذه السندات العالم بأسره، وأصبحت سلعة تنخفض أسعارها، وترتفع بالمضاربة عليها، وكأى سلعة يمكن أن تكسد بفعل فيض إنتاجها عن الطلب عليها.
نستنتج مما سبق أن الأزمة المالية ليست أزمة مالية فقط كما يدعى المهونين من شأنها، وأنما في حقيقتها أزمة فائض في الإنتاج السلعى، وفي تصريف هذا الانتاج السلعى المتمثل فى العقارات والسيارات والسلع المعمرة، أى أزمة اقتصادية عامة،من تلك التى تعترى النظام الرسمالى دوريا، وكان المطروح لتجاوزها بعد الصعوبات التى انتهت إليها الحلول الكينزية، هو تشجيع سياسة القروض البنكية وتسهيلها لزيادة الطلب على السلع والخدمات، وما يسمى بالسوبرايم ما هو إلا أداة لتشجيع الاستهلاك والاستثمار والحفاظ على مستوى النمو، كما كانت نتيجة عدم التوازن بين الرأسمال المضارب والرأسمال الانتاجي، ومحاولة الرأسمال المضارب الذي يشكل 90 % من الاستثمارات العالمية مقابل 10 % فقط للرأسمال الإنتاجي، أن يحقق أرباح دائمة من خلال التوظيفات المالية في المضاربة، لأنها تحقق نسب ربح مرتفعة (ما بين 20 و30 بالمائة) مقارنة بنسبة ربح المنشئات الإنتاجية (ما بين 8 و10 بالمائة) ، ولذلك تم ابتكار أشكال من القروض والأوراق البنكية التى يتم المضاربة عليها .
الدليل الآخر على الطبيعة الحقيقية للأزمة، هو امتداد الأزمة المالية، وتأثيرها على الاقتصاد الحقيقي نفسه ، وظهر ذلك جليا في قطاع السيارات، حيث أفلست عدة شركات كبرى لإنتاج وسائل النقل والمواصلات الأمريكية و الألمانية،منها جنرال موتورز وأوبل، وفي قطاع البناء والعقارات التى تدهورت أسعارها بعد الأزمة،. فالأزمة المالية تحولت إلى أزمة اقتصادية، تراجع فيها نمو الإنتاج الصناعي، وانخفض مستوى الاستهلاك، وانخفض بالتالي الطلب على البترول والغاز والمواد الأولية والمعادن، وقد أدى هذا الأثر إلى انخفاض أسعار النفط والغاز و المواد الأولية ومختلف المعادن. وتبقى الأزمة الحالية جزء من الأزمة الشاملة للنظام الرأسمالي، والتي تطول الطاقة والغذاء والتغيرات المناخية.
وقد توقعت منظمة العمل الدولية أن يتزايد عدد العاطلين عن العمل من 190 مليون إلى 210 مليون عامل، وهو رقم قياسي جديد في البطالة العالمية. الحقيقة أن العالم يتجه بقوة إلى الانقسام بحدة بين أربع أخماس من سكانه من المتعطلين عن العمل والمهمشين وهؤلاء لا فرص أمامهم إلا فى الاقتصاد السرى بشقيه القانونى وغير القانونى،أو الأعمل التافهة، أو القبول بأشكال من العمل الجبرى والعبودية الصريحة، وقد تنهشهم المجاعات والأوبئة والحروب الأهلية، وهناك أما الخمس المتبقى فسوف يحصل على جل الأرباح والفوائد والريوع والأجور، سواء أكانوا من ملاك الثروة أو العاملين بأجر، و لا يرى الاقتصاديون البرجوازيون حلاً لمشكلة البطالة إلا في اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول يرى للخروج من البطالة ضرورة رفع وتيرة النمو الاقتصادي بشكل يمكن من خلق فرص عمل، بالرغم من أنه في ظل الرأسمالية الكوكبية يمكن تحقيق النمو دون خلق فرص عمل، عبر المضاربات، و خفض تكلفة العمل أي تخفيض الأجور الحقيقية بشكل يخفض تكلفة الإنتاج، ويرفع القدرة على المنافسة، و من ثم زيادة الأرباح، وتغيير شروط سوق العمل يعني المطالبة بحذف الحد الأدنى للأجور، و خفض تكاليف الضمان الاجتماعي والضرائب، وتقليص أو حذف التعويض عن البطالة، و تخفيض الأجور، و زيادة ساعات العمل.
أما الاتجاه ثاني فيرى للخروج من أزمة البطالة ضرورة تدخل الدولة لَضبط الفوضى الاقتصادية من أجل استعادة التوازن الاجتماعي، وقد عبرت عن هذا الاتجاه دولة الرفاهية الاجتماعية وفق السياسات الكينزية، و هذا الاتجاه أخذ يتوارى بعد أن تمت ممارسته لأكثر من نصف قرن، بفعل تصاعد سياسات الاتجاه الأول النيو ليبرالى أو الكوكبى، أما شرط العودة للكينزية فهو كبح جماح التضخم، الذى أدت إليه الكينزية، وهذا يعنى القضاء على الاستثمار المضارب.
أما الحل الجذري لقضية البطالة فيتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد على قاعدة التملك الجماعي لوسائل الإنتاج، وتلبية الحاجيات الأساسية لكل البشر خارج نطاق الربح الرأسمالي، أي بناء مجتمع آخر لا يكون فيه نجاح الأقلية في العيش المترف على حساب عجز الأغلبية في الوصول إلى الحد الأدنى من العيش الكريم.

الهوامش
من بيان د. بطرس غالى وزير المالية المصرية لمجلس الشعب المصرى الخاص بعرض مشرةوع الموازنة العامة 2009/ من بيان د. بطرس غالى وزير المالية المصرية لمجلس الشعب المصرى الخاص بعرض مشرةوع الموازنة العامة 2009/02010
عبد السلام أديب أزمة تدبير الأزمة العامة للنظام الرأسمالي الحوار المتمدن - العدد: 3130 - 2010 / 9 / 20



كيف يناضل العمال؟ وكيف يحصلون على النصر؟

كيف يناضل العمال؟ وكيف يحصلون على النصر؟

سامح سعيد عبود

يواجه العمال فى كل مكان خصمين أساسيين هما الرأسماليين والمدريين ، واللذين من أجل زيادة أرباحهم و امتيازاتهم وسلطاتهم على حساب عمل العمال وحريتهم ،يحرصون على فرض عدد ساعات عمل أكثر على العمال، وإعطاءهم أجورأقل، و فى نفس الوقت يبيعون سلعهم وخدماتهم للعمال بأسعار أعلى، وبالطبع فإن هذا يتناقض تماما مع مطالب العمال الأساسية من أجل العمل لعدد ساعات أقل، والحصول على أجور أعلى، وشراء خدمات وسلع أرخص، وعلى امتداد تاريخ كفاح العمال بشتى بلاد العالم، جرب العمال في سعيهم إلى اجبار خصومهم الطبقيين على تلبية مطالبهم الأساسية، أشكال نضال متباينة. باختلاف أنواعها ومستوياتها. و فيما يلي هو تذكير ببعض أصول النضال العمالى ، فحتى نحقق الهدف من النضال علينا أن نعرف كيف نوجه للخصم من الضربات أكثر مما قد يصيبنا منه، بل و تصويب ضربات إليه يعجز عن ردها. وهذا يتطلب منا حتى ننتصر فى الصراع الدائر بيننا وبينهم أن نحرص على تحليل توازن القوى المتصارعة، وذلك على النحو التالى :
* علينا أن كم نحن عدديا، و ما هو مدى التعاطف معنا او النفور منا لو بدأنا فى النضال من قبل العمال الآخرين، ومن قبل السكان.
* علينا أن نعرف ما نملكه من الإمكانيات المالية لمواصلة النضال. والذى يساعدنا على تفادي إنهاك قوانا قبل أن نحقق مطالبنا، إذ أن الرأسماليين والإداريين، في مواجهة نضالنا، ومن أجل هزيمتتنا يلجأون إلى وسائل متعددة منها استئناف العمل في أماكن أخرى غير المكان الذى بدء فيه النضال، و الاعتماد على المخزون لديهم من السلع لسد حاجة الأسواق، و شراء العملاء من كاسرى الإضراب الذين يعملون بدلا من العمال المضربين، فضلا عن امتلاكهم احتياطات مالية تساعدهم على الصمود فى مواجهة توقف العمل فى المنشآت، ومن ثم فإن صندوق الإضراب هو سلاح استراتيجى للعمال فى نضالهم النقابى ،يجب أن يسعوا لإنشائه ودعمه باشتراكهم فيه وتنميته بكافة الوسائل.
*علينا أن نعرف الوقت المناسب لشن المعركة أو وقفها أو استئنافها، فعلينا تفادي مواقف الحد الأقصى عندما نكون في وضع ليس في صالحنا، فمواصلة اعتصام أقلية بالمنشأة دون الغالبية، يفضي الى منح الإدارة تعاطف زملاء مستائين من الاعتصام ومن ثم إعطاءها فرصة التلاعب بهم ضد المضربين. كما أن ما يخسروا العمال المضربين من أجور قد تبلغ مستوى يصعب معه استئنافهم للمعركة، طالما فقدوا تضامن غالبية العمال معهم.
*علينا أن نعرف كيف ومتى نبدأ الهجوم، وكيف ومتى نتراجع ، وما هو شكل النضال المناسب لتحقيق مطالبنا، وما هو الحد الأقصى من المطالب الذى يمكن أن نطالب به، وما هو الحد الأدنى من المطالب الذى لا يمكن أن ننخفض عنه.
*علينا أن نعرف تاريخ واستراتيجية وأهداف القوى المتواجهة فى المعركة أى الرأسماليين أو المدريين من جانب و العمال فى الجانب الآخر .. فعلينا أن نعرف إذا ما كان أصحاب العمل أو المديرين متشددين أو معتدلين، قابلين للتفاوض معهم أم لا، وعلينا أن نعرف إذا ما كان الاجراء المدعويين للنضال ذوي حس مطلبي أم ليس لديهم هذا الحس.
* علينا أن نعرف إذا ما كانت منظمات النضال العمالى مثل النقابات متهادنة مع أصحاب العمل أم جذرية فى مواجهتهم، وهل يمكن أن نستفيد من جهات تدعم نضالنا من وسائل إعلام ومنظمات حقوقية وسياسية وغير ذلك أم لا.
أشكال النضال العمالى
علينا أن نحدد طبيعة النضال بطبيعة فئة العمال المعنية أو بنطاقهم الجغرافى او بمضمون النضال.
النضال الفئوي وهو يخص فئة عمال مختصين أى عمال مؤهلين، مثل عمال البريد او الممرضات، أو المدرسين، الخ.
النضال بين الفئوي يشمل كافة عمال منشأة او مؤسسة ما من أجل مطالب تخص مجموع الأجراء بصرف النظر عن تخصصهم.
النضال داخل مؤسسة واحدة، يكون نضالا على مستوى الموقع. مثلا إضراب عمال مصنع بحي ما، أو مواقع متعددة لنفس المؤسسة مثل فروع سلسة مطاعم.
النضال على صعيد قطاع من القطاعات الإنتاجية أو الخدمية . مثلا قطاع الصحة ، السياحة، أو صناعة التعدين. والجدير بالذكر أنه يمكن ان يجري النضال في مجموع قطاعات النشاط و المواقع.
النضال الاقتصادي و مطالبه على سبيل المثال زيادة الأجور ، تحسين ظروف العمل وعدد ساعاته، الضمان اجتماعي .
النضال السياسي و مطالبه على سبيل المثال سحب مشروع قانون أو إلغائه ، نقد سياسة اجتماعية معادية للعمال، الحصول على حقوق نقابية أو سياسية جديدة، تشكيل إدارة عمالية ذاتية للموقع أو المنشأة.
النضال الاقتصادي السياسي و يحدث عندما يتيح المطلب الاقتصادى تشجيع توحيد العمال لتحقيق مطلب سياسى و بالتالي فتح آفاق نضالات أهم.
النضال التضامني مع نضال آخر لعمال آخرين.
أشكال النضال العمالى
* الاحتجاج الكلامي
* عريضة جمع التوقيعات وهى نص مكتوب يندد ويطالب ويعبر عن رفض او رغبة ما للعمال،فبإمكان العريضة ان تؤثر في بعض الحالات وأن تحقق امتيازات صغيرة غالبا ما تكون وهمية ودعائية. و تقوم بعض النقابات، عند العجز عن الفعل او رفضه، بتخليص نفسها بإطلاق عملية جمع توقيعات على عريضة أو اصدار بيان لأهداف انتخابية أو لاراحة الضمير.
* التوقف: وقف النشاط خلال مدة وجيزة ، أقصاها بضع ساعات. يعبر التوقف عن استياء أكبر وعن ميلاد نوع من الجذرية و يستعمل التوقف كوسيلة ضغط من اجل بدء مفاوضات حول نتائج على المدى القصير او مطالب صغيرة، مثل توفير الأمن الصناعى، و المنح أو أجازات، الخ.
* الاضراب التناوبى: اضراب قسم من العمال ثم عودتهم الى العمل بينما يضرب قسم آخر وهكذا دواليك. ميزته : تدنى الخسائر المالية للعمال بسبب الإضراب، بينما تكون المنشأة مشلولة عمليا والإدارة تدفع أجور عمال ضعيفي الانتاجية او حتى متوقفي النشاط. و ستحاول الإدارة تشغيل غير المضربين و اذا لم يكف ذلك ستغلق المنشأة لفترة، فالإغلاق هو الذي يقي الإدارة من دفع اجور عمال لا يعملون.
* تقليل الإنتاج إلى أدنى حد ممكن برغم استمرار العمال فى العمل. بالتباطىء فى العمل و فرط التقيد بالشكليات بالتطبيق الصارم أو المفرط لتعليمات وقواعد العمل بشكل يعرقل حسن سير الإنتاج.
* الاضراب المحدود: يكف العمال عن العمل مدة محدودة.
* الاضراب غير المحدود: توقف العمال عن العمل إلى أن يقرروا استئنافه و ميزته انه يعبر عن نوع من الجذرية فى مواجهة الإدارة، ويوقف الإنتاج كليا او جزئيا .سلبيته : فقدان الأجراء لقسم كبير من الأجرة . مع إمكانية استمرار المنشأة في الإنتاج بعمال غير مضربين أو كاسرى اضرابات، كما يمكن إنجاز الإنتاج في موقع آخر.
* إقامة حواجز لمنع غير المضربين من دخول المنشأة لمباشرة العمل. و غالبا ما تكون الظروف المادية لحاجز الإضراب سيئة و قد ينجح أحيانا قسم من غير المضربين في دخول المؤسسة، او يكونوا محجوزين بداخلها، ويواصلوا الإنتاج.
* الإضراب مع الاعتصام داخل المؤسسة وفيه يحتل المضربون المؤسسة ويخرجون غير المضربين ويستعملون كل شيء لصالحهم : قاعات الاجتماع ، أماكن النوم ، آلات التصوير والكومبيوتر ، الهاتف ، السيارات.
* يمكن أن ينحصر النضال داخل المؤسسة، أو يتجاوزها للخارج. فيتم اجتياح واحتلال مؤسسة ما مساندة للإدارة: مثل مبنى وزارة العمل أو العدل او الحى السكنى ، أو مقر حزب سياسي ، أو مقر جريدة، أو غرفة التجارة والصناعة، أو المنشأة التي نقل إليها الإنتاج. و يجب أن يسعى النضال إلى الحصول على تعاطف السكان ودعمهم. إذ يجب تفسير المطالب للسكان وتفادي ازعاج المواطنين و المستفيدين من الخدمات مثل المرضى بالمستشفى والركاب بوسائل النقل.
* المسيرة بالمدينة وهى تكشف الصراع ، وتضفي الشعبية على النضال، وتحافظ على الضغط، وتتيح تقييم ميزان القوى.
* المسيرة الوطنية وحتى الدولية تخضع لنفس قواعد المسيرة بالمدينة، لكن على نطاق أوسع.
* الحرب النفسية مثل إنتاج اشاعات، ومعلومات من كل نوع لاضعاف الخصم.
* إفقاد الاعتبار بنشر انتقادات حول جودة المنتوج او الخدمات التي تقدمها المؤسسة.
* الحاق الضرر بمصالح صاحب العمل و يمارس هذا الشكل القديم من النضال باستمرار رغم إنه غير بارز إعلاميا. و يجب استعماله من طرف أفراد واعين بمخاطره وبالنتائج الكارثية لبعض أشكاله التي قد تؤدي إلى إغلاق المنشأة. و لا شك انه سلاح شديد الفعالية وغير مكلف للمضربين ومضر بصاحب العمل. يجب دائما تذكر ان النضال يجب ان يضر بصاحب العمل وليس بالعمال او مستعملي الخدمات العمومية مثل النقل و الكهرباء و الصحة ، التغذية، الخ.
* اعادة التملك وفيه يتحكم العمال بمنتجات المنشأة أي بما انتجوه بانفسهم. و يقوم المضربون ببيع مخزونات المنشأة لتكوين رصيد لتعويضهم. و يستعمل المضربون آلات المنشأة لإنتاج منتجات يبيعونها مباشرة للسكان بخفض الأسعار مما سوف يرضي الجميع ويوفر مالا للمضربين .و يستعمل المضربون أدواتهم الخاصة فيصنعون او يقدمون خدمات مقابل مال لصالح صندوق الإضراب.
* المقاطعة وفيها يطلب الاجراء المناضلون من السكان عدم شراء او استعمال منتج او خدمة تقدمها المنشأة التي يعملون بها .
* العصيان المدني وهو رفض تطبيق قوانين الدولة والخضوع لها. على سبيل المثال دعم ومساندة الاشخاص المقموعين. عدم دفع الضريبة، و رفض تقديم أوراق الهوية عند طلبها من السلطات، او أو رفض أداء الخدمة الجندية، الخ
* الإضراب المعمم و هو إضراب يشمل قطاعا بأكمله أو عدة قطاعات أو إقليم او بلد أو مجموعة بلدان
* الإضراب العام وهو إضراب مشترك بين الفئات او بين القطاعات في منطقة ما او بلد ما او عالميا . انه السلاح المفضل لدى الطبقة العاملة.. ففي هذا النوع من النضال ينوي الناس الذين يناضلون تحدى خصومهم. ولا يلجأون إلى انتظار نتيجة الانتخابات ولا إلى الحكومة المنبثقة عنها ولا إلى الوعود الحكومية و يستند المناضلون على الفعل المباشر ، بقصد تحقيق مطالبهم الآن وهنا. و يعبر الإضراب العام عن مواجهة طبقية واضحة. وإن كان جماهيريا يصبح ميزان القوى في حالة مثلى وقد تظهر خيارات أخرى.
* الإضراب العام مع الانتفاضة و يصبح المضربون ، لأسباب مختلفة، في حالة عصيان. و ينهضون في كل مكان فاتحين الباب أمام إمكانية نزع ملكية الرأسماليين.
* الإضراب العام النازع للملكية وفيه يصبح المضربون أسياد الشارع ويستولون على وسائل الإنتاج والتبادل والاتصال وفيه توضع المنشئات والتجارة والإدارات تحت رقابة مجالس العمال. انها مقدمة تغيير اجتماعي تتحرر بواسطته الطبقة العاملة من عبودية العمل المأجور.
بعض النصائح لتحقيق النصر :
* وجوب ان تطابق أي طريقة نضال الظروف الواقعية. فلا جدوى من استعمال الوسائل الكبيرة لتحقيق مطلب صغير. مثلا: يكفي التوقف عن العمل والإضراب التناوبى او الافراط في التقيد بشكليات العمل لتحقيق مطلب بسيط. واذا تبين عدم كفاية الضغط يلزم التدرج في الانتقال إلى نضالات جذرية أكثر، و يلزم الإبقاء دوما على الضغط والانطلاق تصاعديا لأن انطلاقة قوية متبوعة بتراجع تدل على ضعف سيعرف الخصم كيف يستغله.
* الحذر من الجذريين المزيفين، والتأكد من معرفة مدى صدق الداعين إلى التجذر، بغض النظر عما ان كانوا على صواب او خطأ في اللحظة. فمن يدفعون نحو صراع حاد غير ملائم ، فهم إما أنهم يحاولون إبراز الصلابة للالتحام بالمضربين لنيل ثقتهم وخنق النضال لاحقا، او أنهم يدركون ان الفشل مضمون ويريدون استثمار التعاطف المحقق انتخابيا. وإن كانوا عملاء للخصم، فإنهم يفجرون صراعا حادا مفضيا الى فشل سيكون له أثر بالغ عندما يكون هناك هجوم متوقع لرب العمل( إعادة هيكلة، تسريحات للعمال،الخ) على جدول الأعمال لان خسائر الأجور الحاصلة من الإضراب لن تتيح للعمال إعادة استئناف الصراع عندما يحدث هذا الهجوم.
* تحليل ميزان القوى. مثلا اقتراب الانتخابات النقابية او السياسية التي تدفع السلطات العمومية إلى تفادي النزاعات.
* تحليل مستوى استياء الرأي العام او الوضع المالي والاقتصادي للمؤسسات التي يريد المضربون التحرك بها.
* تفحص حالة المخزونات من السلع، فان كانت كبيرة يمكن لرب العمل مواصلة بيع منتجاته و يخفض بالموازاة كتلة الأجور بسبب الإضراب. على العكس تؤثر مخزونات ضعيفة او على وشك النفاذ سلبيا على رب العمل.
* حذا ر من التلاعب بوقت العمل (المرونة)الذي يتيحه القانون لرب العمل، فقد يمكنه ذلك من توفير مخزونات والوفاء بالطلبيات المتأخرة بسبب النزاع مع عماله.
* تحليل حالة الطلبيات وحجم الأموال الاحتياطية وإمكانيات نقل الإنتاج الى موقع آخر.
*يمكن الاعداد لنضال باستعمال تركيب من أشكال النضال مثل الإضراب التناوبى، فرط التقيد بالشكليات، التباطؤ...
* اتقاء القمع بحماية هوية المضربين ومهامهم واجتماعاتهم... اتخاذ القرارات في اخر لحظة لتفادي وصول معلومات إلى الخصم.
* اختيار لجنة نضال أوسع من المكاتب النقابية وحدها. وتسيير لجنة الإضراب من طرف الجمع العام.
* تكوين لجان عديدة: الإعلام، التغذية، الدعاية، المالية، الإنتاج البري، يجبر هذا الخصم على إكثار استعمال كاسري الإضراب ضد المضربين.
* تطبيق الديمقراطية المباشرة في الجموع العامة ذات السيادة لتفادي سيطرة أقلية على المعركة لغايات غير التي قررها الجمع العام.
* لا جدوى من بعث أشخاص للنقاش مع رب العمل أو المدير أاو مجلس الإدارة.
*لا جدوى من بعث مندوبي العمال او غيرهم من المختصين المزعومين في التفاوض. لا فائدة منهم ما عدا الإقناع بجدواهم أو انتزاع تفويض السلطة والإقناع بضرورة النقابات الإصلاحية.
*تعرف البرجوازية كيف تستعمل أدوات لدراسة مدى استياء العمال. على سبيل المثال بمعرفة تباطؤ الإنتاج او حدوث تدهور في جودة المنتوج او تزايد التغيب عن العمل ، فيستنتج رب العمل فورا أن الأجراء مستاؤون حتى وإن أنكر ذلك او تستر عنه.
* لا يستدعي اندلاع إضراب بأي وجه ان يهرول ممثلو الأجراء المزعومون امام الإدارة ليخبروها بذلك ، فهي تعرف ذلك وتعرف حتى ما ستقترح على المضربين. ليست ثمة فائدة ترجى من مندوب العمال.
* إرسلوا مطالبكم إلى الصحافة وإلى السكان او إلى فى شكل سالة بريدية موقعة من لجنة النضال إلى الإدارة.
*اذا اظهرت الإدارة استعدادا للتفاوض او اقترح تلبية المطالب فليعرف باقتراحاتها بالصحافة او بملصق او بإلقاء بيان أو كلمة أمام العمال. وستجيب اللجنة كتابة. لا جدوى من إرسال ممثلين للتفاوض، فقد يركزون على فتات او يدافعون عن أفكارهم بدلا عن أفكاركم لا سيما اذا تعلق الأمر بمنتخبي النقابات الإصلاحية ، كما يمكن شراءهم أو قمعهم.
* اجبروا الخصم على توقيع اتفاق عدم قمع بعد النزاع. وإجباره على اداء أجور أيام الإضراب.
*يجب السعي إلى خفض الاثار المالية للنزاع على الأجراء إلى ادناها، فعلى هذا النحو يمكن للأجراء ، غير المصابين بضعف، ان يشنوا نزاعا جديدا اذا حاول رب العمل شن هجوما مضادا. ووفق هذا المنطق يجب تنظيم جمع تبرعات وحفلات موسيقية و وتوفير دعم مالي. و اضغطوا على رؤساء البلديات وعلى الصناديق الاجتماعية لإيجاد مال لدعم نضالكم .
* يجب استعمال الشرعية قدر الإمكان وبالتالي تفادي مشاكل قمع محتمل. لكن يجب ان نلاحظ ان الشرعية لا تتلاءم غالبا مع مصالح العمال . فيضطر العمال، لتحقيق أهدافهم، الى التصرف خارج الشرعية بصنع حواجز إضراب، احتلالات للمنشئات ، سيطرة على الإنتاج. لكن يجب ان نحلل بهدوء المزايا والمضاعفات. ستكتشفون بسرعة فائقة ان القانون الذي تعطيه الدولة شرعية ليس محايدا ويخدم مصلحة البرجوازية، حتى ولو بدى ظاهريا فى صالح العمال .
* ليس بالضرورة ممارسة العنف او اللاعنف ، يمكن ان يكونا معا، أي نزاع سلمي مع اندفاعات عنيفة والعكس بالعكس. تارة يكون نزاع غير عنيف وحازم فعالا وتارة العكس. ان مسيرة جماهيرية جيدة وهادئة قد تكون فعالة، لكن مظاهرة عنيفة قد تكون لها نفس الفعالية. انها مسألة سياق واختيار من قبل الناس الذين يخوضون النضال. لكن يجب الحذر من العنف وممن يحث عليه( هل المضربون او الخصوم؟)، مصالح العمال الحقيقية تدفعهم أن يكونوا انصار عالم بلا عنف وبلا سلاح . لكن فى نفس الوقت ان مقاومة العمال الشرسة و النشيطة شرعية أمام عنف البرجوازية و المتمثل فى الاستغلال، التسريح، الحروب، السجون، الخ.
* يجب أيضا ان نفكر في نمط التنظيم الملائم للنضال. هل تدافع الحركة النقابية الراهنة فعلا عن مصالح العمال ؟او أي مصالح اخرى؟ هل تلائم النضال، هل تدافع عنه؟ الا تعتمد أنماط تشاور ووساطة في خدمة البرجوازية؟ هي يجب تجذيرها؟ ما فعالية الحماية القانونية للمنتخبين؟ هل حماية المنتخبين النقابيين جيدة؟ يبدو، بالنظر الى الألوف المسرحة منهم، انهم غير محميون.
في الواقع تعرض المشاركة في أعمال نضالية غير قانونية للتسريح سواء كنت منتخبا او لا ، محميا او لا. وبالتالي فان اشكال الحماية لا تفيد في شيء... و الأسوأ ان محاولة الاحتماء بالوسائل القانونية تفضي بأنصار تلك الممارسات الى احترام القانون المفيد لأرباب العمل، والى عدم المشاركة في النضالات التي تتخطى الاطار القانوني وبالتالي الدفاع عن الشرعية البرجوازية والتحول من جراء ذلك الى معادين للثورة.. أما اعتماد الخطاب المزدوج، الشرعي في الواجهة واللاشرعي في الواقع، فهو غير ممكن غالبا لان المنتخبين النقابيين او السياسيين، مضطرين، بوعي او بدونه، الى الدفاع عن الاطار القانوني وبالتالي تعزيزه والسكوت عن انتقاداتهم بغية الحصول على الحمايات القانونية التي تقتضيها وظيفتهم . لا سيما انه يصعب لاحقا رفض الإطار القانوني بفعل ما يمنح من مزايا للفرد. و البرجوازية ستدوس، اذا استشعرت خطر النضال، كل القوانين.

ملاحظات على مؤتمر العمال والثورة

حضرت المؤتمر الأول لتحالف عمال ثورة مصر الذى عقد فى نقابة الصحفيين يوم الجمعة 8 إبريل وأحب أن أشارككم ملاحظاتى على المؤتمر.
الملاحظة الأساسية أن الجمهور الحاضر بالمؤتمر فى غالبيته الساحقة هم عمال مارسوا الاحتجاج الاقتصادى ثم الانتظام النقابى فى السنوات القليلة الماضية ثم الانخراط المباشر فى الثورة دون المرور بالانخراط فى العمل الحزبى والتورط فى الأدلجة السياسية، وأن غالبية من تحدثوا على المنصة هم قادة عماليين طبيعيين من مواقع عمل، باستثناء خمسة أو ستة من الرفاق العمال والمهتمين بالحركة العمالية المؤدلجين والمنظمين سياسيا وهذا تطور مهم لم يتوافر فى لقاءات عمالية سابقة على حد علمى.
تناول المحور الأول للمؤتمر موضوع التنظيم العمالى حيث تم التركيز على النقابات، ولكن الحركة العمالية لكى تستكمل انتزاع حقوقها ولكى تحقق أهدافها فى التحرر الاجتماعى لا تقتصر فى التنظيم على النقابات فقط، فهناك بجانب النقابات العمالية التعاونيات و الجمعيات الأهلية، وإذا كان العمال المصريين انتزعوا الحرية النقابية كمكسب من مكاسب الثورة، فإن تحرير التعاونيات والجمعيات الأهلية واستقلالها عن الدولة لا يقل أهمية عن الحرية النقابية، لتبقى مهمة أخرى هى إلغاء النقابات المهنية بوضعها الحالى وتركيبها غير الديمقراطى كونها تضم العمال وأصحاب العمل فى نفس الوقت، على أن تحل محلها جمعيات اهلية علمية تعطى رخص للعمل وتتابع أخلاقيات ممارسة المهنة وغيرها من المهام الضرورية خصوصا فيما يتعلق بالأطباء والمحاميين والمهندسين، فالنقابة كمنظمة تدافع عن حقوق أعضاءها ومن ثم لا يصح أن تضم العمال وأصحاب العمل أو العمال ومدراءهم.
لدينا مليون ونصف مليون عامل وثلاثة ملايين موظف حكومى فقط هم الذين يمكنهم النضال عبر المنشئات، وتنظيم أنفسهم انطلاقا منها، فماذا عن العاملين بأجر فى القطاع غير الرسمى، والمنشئات المتوسطة والصغيرة فى القطاع الرسمى، وهم يبلغون أكثر من 20 مليون عامل، وإذا كانت النقابة القائمة على أساس المنشأة، صالحة لتنظيم عمالة مستقرة نسبيا فى أعمالها ومهنها وأماكنها، فهى ليست صالحة لعمالة غير مستقرة، حيث تسود الآن ظاهرة العمل المرن ، فلا استقرار للعامل فى عمل أو مهنة أو مكان، كل هذه الظروف لابد أن تدفعنا للتفكير بشكل مختلف للعمل النقابى لا ينظم العمال على أساس المنشأة بل على أسس جغرافية أو مهنية.
كان المحور الثانى للمؤتمر هو العدالة الاجتماعية وهو أحد مطالب الثورة الأساسية الذى يرفع من سقفها المتدنى الذى يتمسك به الجناح الليبرالى فى الثورة وهو مجرد التحول الديمقراطى الليبرالى، وفيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية لا بد وأن أؤكد على أن هناك وجهتى نظر تنتميان لليسار المنقسم إلى سلطوى و لا سلطوى قبل أن ينقسم ليسار ثورى ويسار إصلاحى. وجهة نظر تريد دولة رعاية أبوية سلطوية متدخلة سواء على الطراز السوفيتى أو السويدى أو الناصرى. ولأن السويدى الذى مازال يحتفظ ببريق وجماهيرية يقوم على أساس زيادة الإنفاق العام وتوسيع سوق الاستهلاك وما يستلزمه ذلك من زيادة الضرائب والجمارك وشتى أشكال التدخل الحكومى يتناقض مع دواعى الاقتصاد العالمى فى مرحلة الكوكبية، مما أدى لانهيار دولة الرعاية والرفاهية فعلا فى معقلها الرئيسى بغرب أورربا، وما يوجد فعليا هو أحزاب ليبرالية تميل يسار أحيانا وأحيانا أخرى تميل يمينا، فإن التبشير بهذا النموذج فى بلد يعانى اوضاعا اقتصادية واجتماعية متدهورة هو نوع من الدجل السياسى، فضلا عن أنه لا يعبر عن مصالح العمال .
أما وجهة النظر الأخرى فهى تريد فى الحد الأدنى الإصلاحى دولة حارسة تقوم بالمهام السيادية تاركة بقية المهام للتعاونيات المستقلة عن رأسالمال والدولة ، وإرساء مبدأ الإدارة الذاتية العمالية لوحدات الإنتاج والخدمات وفق قواعد التعاون لصالح العاملين فيها ، والتأمين الاجتماعى التعاونى الشامل و هى كلها أدوات غير بيروقراطية و لا رأسمالية قادرة على توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كحد أدنى أى فى ظل استمرار وجود الرأسمالية أو التحرر من العمل المأجور باعتباره جوهر تجاوز الرأسمالية كحد أقصى يعبر عن مصالح كل الأجراء.

وفى النهاية أحب أن أشير إلى أن البيان الختامى للمؤتمر جاء أفضل مما كنت اتوقع، ففى أوراق شبيه سابقة كان هناك حديث عن التأميم وإعادة التأميم لما تم خصخصته، مما يعنى العودة لرأسمالية الدولة البيروقراطية أما فى هذا البيان فقد كان الحديث عن مطلب الإدارة الذاتية للعاملين للوحدات الإنتاجية والخدمية سواء التى يتم استعادتها من المستثمرين التى استولوا عليها وفق برامج الخصخصة أو الوحدات التابعة للقطاع الخاص التى يتم ايقافها لتخلى ملاكها عن إداراتها، وكنت اتمنى أن يتبنى البيان هدف الإدارة الذاتية من قبل العاملين لكل وحدات الإنتاج والخدمات الحكومية والعامة لصالحهم.

ملاحظات على مؤتمر العمال والثورة

سامح سعيد عبود


الشعب كسب جولته الأولى وبقت له جولات

الشعب كسب جولته الأولى وبقت له جولات

سامح سعيد عبود

فى أول جولة من جولات معركته من أجل الحرية والمساواة، أجبر الشعب المصرى النظام على السقوط بعد أن افقده شرعيته لأكثر من مرة، هذه الشرعية المفروضة أصلا بالبلطجة والتزوير والإرهاب، هذه الشرعية التى ليس لها أى أساس لأنها منفصلة على إرادة البشر الخاضعين لها.. و قد ألحق الشعب الهزيمة بجهاز الشرطة وبالحزب الحاكم و مليشيات أرهابه من البلطجية وأجهزة إعلامه،على التوالى، و استطاع بذكاء فطرى وعفوى شل القوة القمعية للجيش ليجبره على اسقاط النظام والإقرار بالشرعية الثورية ..بالرغم من خطورة أن يلتف الجيش وهو أحد أركان النظام المنهار على تلك الشرعية، بعد انحصار الطاقة الثورية للجماهير المنتفضة.
برهن الشعب بتلقائية دون وجود أى زعامات وقادة، قدراته على أن يقرر مصيره بنفسه، وأن ينظم ويدير شئونه بلا سلطات متعالية عليه، وفد كانت ملحمة اعتصام ميدان التحرير التى استمرت ثمانىي عشر يوما ، واشترك فيها مئات الألوف من المصريين، دليل على أن السلطة المتعالية هى التى تفسد الناس، وهى التى تخلق الجريمة والفوضى والعنف لتبرر وجودها وامتيازاتها، ففى ميدان التحرير تجسدت الإدارة الذاتية والتعاون الطوعى فى الإعاشة وحفظ الأمن والنظافة، وظل ميدان التحرير أكثر الأماكن فى مصر آمانا رغم غياب أى سلطة قمعية داخله،و برغم الزحام الشديد لم تحدث أى جرائم سرقة أو تحرش جنسى أو تعارك بين الناس، أما فى خارج الميدان فقد حافظ الناس على الأمن فى أحيائهم بأنفسهم فى ظل الانفلات الأمنى المدبر من الشرطة.
أثبت أفراد الشعب وجماعاته أنهم ليسوا مجموعة من القصر غير الجديرين بتحمل المسئولية،وبرهنوا عن عدم حاجاتهم للأوصياء والقيمين والقادة والزعماء من أى نوع، واثبتوا عن عدم حاجاتهم لأجهزة القمع التى تحد من حريتهم باسم الحفاظ على أمنهم ومصالحهم.وانهم قوة لا تستطيع أن تقف أمام إرادتهم الموحدة أعتى أجهزة القمع.
فى الجولات التالية من معركة الشعب من أجل الحرية والمساواة ، وحتى يصل للنصر الكامل فإنه لابد وأن تنتقل تجربة ميدان التحرير إلى كل حى ومدينة وقرية، و إلى كل موقع عمل خدمى أو إنتاجى، على السكان أن يشكلوا لجانهم الشعبية للإدارة الذاتية للأحياء والمدن والقرى المنتخبة تلك اللجان المنتخبة من السكان، وعلى العمال أن يشكلوا اللجان العمالية فى منشئات الإنتاج والخدمات المختلفة خاصة أو عامة أو حكومية بالإنتخاب، وعليهم أن يديروا أحيائهم وقراهم و أماكن عملهم ويلبوا احتياجاتهم المختلفة عبر قواعد التعاون الطوعى والإدارة الذاتية ، واكتساب هذا الحق وانتزاعه والمحافظة عليه فى مواجهة كل محاولات إعادة النظام القديم، وعلى الناس فى كل حى ومنشأة أن يؤسسوا جمعيات استهلاكية تعاونية لتوفر لهم احتياجاتهم من السلع المختلفة فى مواجهة ارتفاع أسعار السلع وشحها.
كما أنه من المهم عقد علاقات طيبة مع الجنود ومساعدتهم على الاختلاط بالجمهور لمنع استخدامهم من طرف القيادات العسكرية لقمع الاحتجاجات الاقتصادية والسياسية التى سوف تنشب فى الجولات القادمة من الثورة وهذا ينسحب على صغار العاملين بالشرطة غير المتورطين في جرائم القتل والتعذيب والرشوة والفساد لجرهم الى ميدان المطالب الاجتماعية والتمرد على قياداتهم بما يساهم في شل هذا الجهاز القمعي.
و فى النهاية فإن أهم انتصارتنا المرحلية تتلخص بوضوح فى ديمقراطية جذرية تتضمن حقوق المواطنة و المشاركة الشعبية فى السلطة واللامركزية الإدارية وحقوق وحريات الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.و هو ما يجب أن نتمسك به فنحن لم نضحى بدماء شهداءنا من أجل أن يحل ديكتاتور محل ديكتاتور آخر ولتكن تلك آخر دول المماليك والفراعين.


الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع

الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع

الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع
ليورانزو كمبوا إرفن
ترجمة : سامح سعيد عبود
تاريخيا ،هناك ثلاث أشكال رئيسية من الاشتراكية،الاشتراكية التحررية (الأناركية)،الاشتراكية السلطوية(الشيوعية الماركسية)،الاشتراكية الديمقراطية (الديمقراطية الاجتماعية الانتخابية) .اليسار السلطوى يردد صدى التصوير البورجوازى للأناركية كأيديولوجية للفوضى والعبث والجنون .لكن الأناركية وخاصة الأناركية الشيوعية ليس لديها و ما يجمعها وهذه الصورة . الزائفة و المصنوعة من قبل أعدائها أيديولوجيا الماركسيين اللينينين.
إنه من الصعب جدا على الماركسيين اللينينين تقديم نقد موضوعى ضد الأناركية الشيوعية بسبب طبيعتها التى تدك كل المزاعم الأساسية للماركسية اللينينية ، طالما ظلت الماركسية اللينينية تتمسك بكونها فلسفة الطبقة العاملة وأن البروليتاريا لا تستطيع أن تدين بتحريرها لأى أحد سوى للحزب الشيوعى ، فأنه يكون من الصعب الاستناد إليها والقول أن الطبقة العاملة حتى الآن ليست مستعدة لإعفائها من التسلط عليها، لينين أتى بفكرة الدولة الانتقالية، والتى ستذوى بعيدا بمرور الزمن، أو لتمضى بعد فترة "ديكتاتورية البروليتاريا" لماركس، الأناركيون كشفوا هذا الخط الأيديولوجى كثورة مضادة ، وكانحراف لانتزاع السلطة من يد الناس ، وبعد 75 عاما من الممارسة الماركسية اللينينية التى برهنت على صحة وجهة النظر تلك ، حيث رأينا جميعا ما تسمى بالدول الاشتراكية المؤسسة على مفاهيم الماركسية اللينينية و قد أنتجت فقط الدولة الستالينية البوليسية ،حيث العمال لا يملكون أى حقوق ، بينما تملكها الطبقة الحاكمة الجديدة من التكنوقراطيين وساسة الحزب الصاعدين ، ورأينا كيف استمرت التفاوتات الطبقية بين هؤلاء الذين ميزتهم الدولة و بين الجماهير المحرومة بخلقها الحرمان واسع النطاق بينهم ، و من ثم فقد دشنت صراع طبقى آخر بدلا من أن تلغى كل صراع طبقى كما سبق ووعدت .
لكن الماركسيين اللينينيين بدلا من توجيه انتقادات رئيسية للفكرة الأناركية ، فقد ركزوا هجماتهم ليس على مفهوم الأناركية بل على الرموز التاريخية للأناركية و بشكل خاص على باكونين (المعارض الأساسى لماركس فى الأممية الأولى). الأناركيون هم الثوريين الاجتماعيين الذين يهدفون إلى اللا دولتية ،اللا طبقية ، الاتحادات التعاونية الطوعية لمجتمعات لا مركزية مؤسسة على الملكية الاجتماعية ، الحرية الفردية ، والإدارة الذاتية المستقلة للحياة الاقتصادية والاجتماعية.
الأناركيون يختلفون عن الماركسيين اللينينيين فى كثير من القضايا ، و بشكل خاص فى البناء التنظيمى ، و هم يتميزون عن الاشتراكيين السلطويين فى ثلاث مفاهيم أولية ، هم يرفضون المفاهيم الماركسية اللينينية ، حول الحزب الطليعى ، المركزية الديمقراطية ، ديكتاتورية البروليتاريا ، و الأناركيون لديهم بدائل لكل هذه المفاهيم ، ولكن المشكلة هى أن معظم المنتمين لليسار (بما فيهم بعض الأناركيون) جاهلين بشكل كامل بالبدائل البنيوية الملموسة لتلك المفاهيم الماركسية وهى الجماعة الدعائية ، والديمقراطية المباشرة ، و المشتركات (الكوميونات )الجماهيرية.
البديل الأناركي للحزب الطليعى هو الجماعة الدعائية .
الجماعة الدعائية بشكل مجرد تتكون كاتحاد شيوعى أناركى بين أفراد و جماعات متقاربة فى عملها ورؤاها، و هى تقام على قواعد تنظيمية أو ضرورية فحسب ، وهى تعتمد على توافق إرادات و رغبات الأعضاء فى التعاون فيما بينهم وإلحاح الظروف الاجتماعية التى تفرض عليهم النضال سويا ، و الاتحاد الأناركى الثورى يقام بواسطة ممثلين عن جماعات دعائية متجانسه ، (أو الجماعة المتجانسة نفسها عند نموها لحد يسمح لها بالانقسام لجماعات دعائية فرعية ) .وفى كل الأحوال يتم الالتزام بمبدأ ضمان الحقوق و الامتيازات والمسئوليات التصويتية الكاملة لكل عضو .
الجماعة الدعائية واتحاداتها تضع كل من السياسات و خطط الأعمال المستقبلية و تؤدى وظائفها وفق هذا المبدأ ، أنها تربط بين كل من النظرية الشيوعية الأناركية والممارسة الاجتماعية . عقيدتها هى الانخراط فى الصراعات الطبقية و الاجتماعية من أجل نفى النظام الرأسمالى والسلطوى ، أنها تنتظم سواء فى التجمعات البشرية المختلفة أو فى أماكن العمل ، و هى فى النهاية جماعة ديمقراطية تخلو من أى رموز للسلطة مثل زعماء الحزب و اللجنة المركزية وخلافه.
و لأن الثورة لابد وأن تحدث على نطاق واسع يتجاوز نطاق عمل الجماعات واتحاداتها المحلية فأن العمليات التنسيقية بين هذه الجماعات واتحاداتها المحلية تصبح ضرورة ملحة ، و تشكيلها لا يمكن أن يكون فى طريق معاكس لمبادىء الأناركية ، فما يعارضه الأناركيون تحديدا هو التراتبية فى التنظيم ، سلطة القيادة المعرقلة للعمل ، و التى تكبح الدافع الخلاق للكتل المنخرطة فى العمل وتطبق بقرارتها البيروقراطية على رقابهم ، حيث يكون الأعضاء فى مثل هذه الجماعات التراتبية مجرد خدم وعبيد لقيادة الحزب ، لكن برغم أن الأناركيون يرفضون مثل هذه القيادة المركزية المتحكمة فى تابعيها ، فهم يقرون أن هناك بعض الناس يكونون أكثر خبرة أو أفصح أو أكثر مهارة من آخرين ، وهؤلاء الأشخاص لابد وأنهم سيلعبون أدوار القيادة فى العمل ، هؤلاء الأشخاص ليسوا رموز مقدسة للسلطة ، ويمكن ببساطة أن ينحوا عن مسئولياتهم حسب إرادة عضوية التنظيم ، كما يوجد هناك أيضا وعى بأهمية تداول المسئوليات بين الأعضاء بشكل متواتر لإكساب الآخرين المهارات المختلفة عبر ممارسة المسئوليات ، و بشكل خاص النساء والمنتمين للأقليات العرقية والثقافية فى المجتمع الذى تنشط فيه الجماعة الدعائية ، والذين لا يحصلون عادة على هذه الفرص بحكم انتماءاتهم والعادات والتقاليد والأعراف السائدة المحيطة بهم .
خبرة هؤلاء الأشخاص الذين يكونون عادة نشطاء محنكين أو مؤهلين على نحو أفضل من الغالبية فى لحظة ما تجعلهم يستطيعون المساعدة على تشكيل وقيادة و تطور الحركة ، و المساعدة على بلورة الإمكانية من أجل التغيير الثورى فى الحركة الشعبية . ما لا يستطيعوا أن يفعلوه هو تولى السلطة فوق مبادرة هذه الحركات الشعبية نفسها.
الأعضاء فى هذه المجموعات الدعائية ينكرون الأوضاع التراتبية (تمتع أى شخص بسلطة رسمية أكثر من الآخرين ) وهى الأوضاع المشابه للأحزاب الماركسية اللينينية الطليعية ،كما أن المجموعات الدعائية الأناركية لن تسمح بإدامة قيادتها من خلال الديكتاتورية بعد الثورة .فبدلا من ذلك فأن الجماعات الدعائية واتحاداتها سوف تحل نفسها فور انتصار الثورة ، وعضويتها السابقة عندئذ ستكون مهيئة للذوبان فى عمليات اتخاذ القرارات فى تجمعات المجتمع الجديد .ومن ثم سيكون هؤلاء الأناركيون بعد الثورة بلا قيادات بل مجرد أفراد أكثر وعيا يعملون كمرشدين و كمنظمين لحركة الجماهير فى عملية بناء المجتمع الجديد .
ما لا نريده ولا نحتاجه بالفعل هو مجموعة من السلطويين تقود الطبقة العاملة ، و تقيم من نفسها قيادة مركزية لصنع القرارات و بدلا من "ذبول" دول الماركسية الللينينية الموعود فأننا رأيناها جميعا وقد أدامت الأوضاع التسلطية (البوليس السرى، سادة العمال ، الحزب الشيوعى) للحفاظ على سلطتهم التى انتزعوها .
الفعالية الظاهرة لمثل هذه المنظمات التى تخدع البعض بضرورتها ، تحجب الطريقة التى يحتذى بها الثوريين أنفسهم المؤسسات الرأسمالية ( الدولة والشركة) التى يكافحونها ، فمنظماتهم المحاكية للنمط البورجوازى القائم على الانقسام بين البشر ، بين من يأمرون ومن يطيعون الأوامر ، تصبح ممتصة بالقيم البورجوازية والسلطوية برغم خطابها الشيوعى التحررى، ومعزولة تماما عن الاحتياجات الواقعية ورغبات الناس العادية.
مقاومة الماركسيين اللينينين لقبول التغيير الاجتماعى الثورى الذى يحطم الانقسام بين البشر إلى آمرين ومأمورين ، أيما كان يكمن فى فوق كل ما رأيناه فى مفهوم لينين للحزب . فرضية ضرورة انتزاع السلطة السياسية ووضعها فى يد الحزب الشيوعى كشرط للتحرر الاجتماعى .الحزب الذى يخلقه اللينينين اليوم ،مثلما يعتقدون سوف يصبح الحزب الوحيد للبروليتاريا و الذى يمكن للطبقة العاملة من خلاله أن تنتظم وتحوز السلطة وأن تحرر نفسها.
فى الممارسة أيما كانت ،هذا يعنى الديكتاتورية الشخصية والحزبية، والتى تعطي الحزب الفائز والقائد الحق والواجب لمحو كل الأحزاب و الأيديولوجيات الأخرى المهزومة و المقودة . كل من لينين وتروتسكى و ستالين ، قد قتلوا الملايين من العمال والفلاحين، كما نكلوا بمعارضيهم الأيديولوجيين فى الجناح اليسارى للثورة ، وحتى بالألاف من أعضاء حزبهم البلشفى.
دموية هذا التاريخ الخيانى تفسر كل هذه العدائية والمنافسة البالغة الحدة بين الأحزاب الماركسية اللينينية و التروتسكية حتى اليوم ، وتفسر لماذا نرى فى كل دول العمال سواء فى كوبا أو فى الصين أو فى فيتنام أو فى كوريا تجسم بيروقراطية طغيانية فوق شعوبها. ويفسر أيضا لماذا رأينا أنه فى معظم البلاد الستالينية بشرق أوربا قد تم إسقاط حكوماتها بواسطة البورجوازية الصغيرة والناس العاديين فى عقد الثمانينات ، و ربما نشهد خسوف شيوعية الدولة بشكل كامل ، فهؤلاء لم يصبح لديهم شىء جديد ليقولوه وأنهم لن يمكنهم استعادة حكوماتهم مرة ثانية.
البديل عن المركزية الديمقراطية هى الديمقراطية المباشرة
بينما تصل المجموعات الأناركية لقراراتها عبر مناقشة أناركية بين أعضاءها ،نجد أن الماركسيين اللينينين ينتظمون خلال ما يسمى بالمركزية الديمقراطية .المركزية الديمقراطية تقدم كشكل من ديمقراطية الحزب الداخلية ، لكنها فى الحقيقة محض تراتبية استبدادية ، حيث كل عضو فى الحزب وأخيرا فى المجتمع بعد نجاح الحزب فى الوصول للسلطة يكون خاضعا للعضو الأعلى حتى نصل للجنة المركزية للحزب كلية القدرة والجبروت، ثم رئيسها صاحب الحق الوحيد فى التفكير وإصدار الأوامر . و هذا إجراء غير ديمقراطى بشكل كامل وهو يضع القيادة فوق مستوى النقد حتى لو لم تكن فوق مستوى اللوم .أنها طريقة تفسد و تفلس العمليات الداخلية للمنظمة السياسية ، أنك لا تملك صوتا فى الحزب ويجب أن تخاف من قول أى تعليقات ناقدة للقيادة أو حول القادة حتى لا تتناولك الشكوك والاتهامات.
القرارات فى المجموعات الأناركية تتخذ من قبل كل الأعضاء (والذين لا يملك أحد منهم سلطات فوق ما يملكه عضو أخر) الأقلية المخالفة تحترم ، و مساهمة كل فرد تكون طوعية . كل عضو له الحق فى الموافقة أو عدم الموافقة على أى سياسة أو فعل ، وأفكار كل عضو تعطى نفس الوزن والاعتبار ،لا قرار يمكن أن يتخذ حتى يكون لكل عضو فرد أو مجموعة منضمة يمكن أن تتأثر بهذا القرار ،الفرصة ليعبر عن رأيه فى الموضوع محل القرار .الأعضاء الأفراد والجماعات المنضمة للاتحاد تحتفظ بحقها فى رفض دعم أنشطة جماعية أو اتحادية معينة .هذه هى الديمقراطية الحقيقية ،القرارات التى تخص الاتحاد ككل يجب أن تتخذ بواسطة أغلبية أعضاءه .
فى معظم القضايا لا يكون هناك احتياج حقيقى لاجتماعات رسمية من أجل اتخاذ القرارت ، ما نحتاج إليه هو تنسيق أعمال المجموعة أو الاتحاد . بالطبع ، هناك أوقات يجب أن يتخذ فيها قرار عاجل ، وأحيانا بسرعة جدا. وهذا يكون أمر نادر لكن أحيانا لا يمكن تفاديه ،القرار فى هذه الحالة يمكن أن يتخذ بواسطة حلقة أصغر من العضوية العامة المكونة من مئات أو آلاف .
ولكن فى الأحوال العادية كل هذا يحتاج لتبادل المعلومات والحقائق بين الأعضاء و الجماعات من أجل اتخاذ قرار يعيد تناول القرار الأصلى الذى تم اتخاذه فى ظرف الطوارىء. بالطبع خلال هذا النقاش سوف يبذل جهد لتوضيح أي اختلافات أساسية بين الأعضاء حول القرار المتخذ ، و اكتشاف الطرق البديلة للفعل الذى تم اتخاذ القرار بشأنه.
وهناك دائما محاولات للوصول عبر النقاش لتوافق متبادل على القرارات بين وجهات النظر المتعارضة ،بينما لو كان هناك مأزق أو عدم وجود إمكانية للوصول للتوافق المتبادل مع القرار ، فيأخذ القرار طريقه للعرض على التصويت ، وحينئذ يقبل أو يرفض أو يلغى بأغلبية الثلثين . و هذا على العكس كليا من ممارسة الأحزاب الماركسية اللينينية حيث اللجنة المركزية من جانب واحد تعد السياسات والقرارات لكل المنظمة على نحو تحكمى وتسلطى
الأناركيون يرفضون مركزة السلطة ومفهوم المركزية الديمقراطية .كل المجموعات الدعائية هى اتحادات حرة مشكلة وفق احتياج عام و ليسوا ثوريين مروضين بالخوف من السلطة ، بينما يتسع نطاق مجموعات العمل (والذى ممكن أن تتشكل بين العمال أو حركة مكافحة العنصرية ،أو حقوق المرأة ،أو التمويل أو التغذية والإسكان ..الخ) و تصبح منظمات ضخمة يصعب معها ممارسة الديمقراطية المباشرة ، فأنه يمكنها حينئذ أن تنقسم لمجموعتين أو أكثر تتمتع بالاستقلال الذاتي بلا مركزية مع استمرارها متحدة فى اتحاد واحد واسع .و هذا يجعلها قادرة على الاتساع بلا حدود بينما تحتفظ بشكلها الأناركي المتميز بكل من الإدارة الذاتية و اللامركزية. أنها نوعا ما تشبه النظرية العلمية للخلية الحية فى الانقسام وإعادة الانقسام لكن بالمعنى السياسى.
المجموعات الأناركية لا تنتظم بشكل ضرورى على نحو محكم ، نظرية التنظيم اللاسلطوية مرنة والبنية التنظيمية يمكن أن لا توجد عمليا أو توجد على نحو محكم جدا وهذا يعتمد على نمط المنظمة المطلوب فى ظل الظروف الاجتماعية التى تواجهها الحركة اللاسلطوية ،على سبيل المثال المنظمة يمكن أن تكون محكمة خلال العمليات العسكرية أو خلال القمع السياسى المشدد.
المشتركات الجماهيرية (الكوميونات) بديل عن ديكتاتورية البروليتاريا
الأناركيون الشيوعيون يرفضون المفهوم الماركسى اللينينى عن ديكتاتورية البروليتاريا ،وما يسمى ب"الدولة العمالية" مفضلين المشتركات الجماهيرية (الكوميونات).
بما لا يشبه أعضاء الأحزاب اللينينية والذين يعيشون يوميا على نحو مشابه بوجه عام لنمط الحياة البورجوازى الحاضر، فأن الأناركيون يحاولون العيش وفق أنماط الحياة والبنية التنظيمية التى تحاول أن تعكس المجتمع التحررى للمستقبل و ذلك من خلال الترتيبات الحياتية التشاركية، الجماعات المتقاربة...
الأناركيون بنوا كل أنواع المشتركات الجماهيرية والتجمعات خلال الحرب الأهلية الأسبانية فى عقد الثلاثينات من القرن الماضى ، لكن تم تحطيمها من الفاشيين والشيوعيين.
ولأن الماركسيين اللينينين لا يبنوا تنظيمات تعاونية ( أنوية المجتمع الجديد) مفضلين الانغماس فى عالم البورجوازية ، فأنهم لا يستطيعوا رؤية العالم إلا فى المصطلحات السياسية البورجوازية فقط.
هم يريدون الاستحواز على سلطة الدولة و لكى يحلوا ديكتاتورياتهم فوق الشعب والعمال بدلا من إزالة سلطة الدولة واستبدالها بالمجتمع التعاونى الحر.
أنهم يؤكدون أن الحزب يمثل البروليتاريا و التى لا احتياج لها لتنظيم نفسها خارج الحزب ، وحتى فى الاتحاد السوفيتى السابق ، فأن عضوية الحزب الشيوعى لم تشكل إلا خمسة فى المئة من السكان. هذه أسوء أنواع النخبوية و التى جعلت الأحزاب الرأسمالية أكثر ديمقراطية بالمقارنة بها.
ما كان يقصده الحزب الشيوعى بتمثيل سلطة العمال لم يكن واضحا ، إلا أن النتائج كانت 75 عاما من القهر السياسى وعبودية الدولة بدلا من عهد من الحكم الشيوعى المجيد ، أنهم يجب أن يخضعوا للحساب سياسيا من جراء جرائمهم ضد الناس، ويجب أن نرفض نظريتهم و ممارستهم السياسية الثورية ،أنهم جللوا الاشتراكية والشيوعية بالعار، و أجلوا إمكانية تحققهما الفعلى لمدى زمنى طويل.
أننا نرفض ديكتاتورية البروليتاريا ، كونها قهر غير مقيد ، والماركسيين اللينينين و الستالينين مصممين على تحقيقه ، الملايين قتلهم ستالين باسم مكافحة الصراع الطبقى الداخلى ، وملايين أكثر قتلتهم الحركات الشيوعية فى الصين و بولندا و أفغانستان وكمبوديا وبلاد أخرى حيث اتبعت فرضية كل من تروتسكى و ستالين بضرورة الإرهاب الثورى . نحن نرفض شيوعية الدولة كأسوأ انحراف وطغيان حدث باسم التحرر مما اضر بقضية التحرر .و نجزم أننا نستطيع أن نصنع ما هو أفضل منها مع المشترك الجماهيرى (الكوميون) .
كوميون الجماهير الأناركي (أحيانا يطلق عليه مجلس العمال بالرغم من بعض الاختلافات بين المفهومين) يمكن أن يكون قومى أو قارى أو اتحاد متعدد القوميات لتعاونيات سياسية واقتصادية و تشكيلات تشاركية محلية .
اللاسلطويون يتطلعون لعالم ومجتمع يكون فيه صنع القرار عمل كل شخص والذى ينخرط فيه مع باقى أعضاء التشاركية أو الكوميون المنضم إليه ، و من ثم فهو ليس عمل قلة تروض الآخرين وفق نزواتها وتحركهم كالتروس فيما يسمى ديكتاتورية البروليتاريا.
إن أى ديكتاتورية وكل ديكتاتورية هى أمر سيئ حتى ولو تمت باسم البروليتاريا ، و أنها لا يمكن أن تعيد لنا الأشكال الاجتماعية الحرة بعد أن سلبتها ، بالرغم مما يخبرنا به اللينينيون بأنها تحمينا من الثورة المضادة .فطالما الماركسيين اللينينين يدعون أن هذه الديكتاتورية ضرورية لكى تضرب أى ثورات مضادة بورجوازية تقودها الطبقة الرأسمالية أو رجعيو الجناح اليمينى فأنهم أبعد ما يكونوا عن المشروع التحررى .
الأناركيون يشعرون أن هذا الإدعاء نفسه جزء من مدرسة التخريف الماركسى. فجهاز ممركز مثل الدولة يكون هدف أسهل للمعارضين فى معسكر الثورة المضادة من تنظيم اتحادى مكون من التشاركيات اللامركزية. هذه التشاركيات سوف تبقى مسلحة ومدربة للدفاع عن الثورة ضد أى جيش يهاجمها عسكريا . مفتاح حركة الناس نحو الدفاع والحراسة والكفاح ووحدات الاستعدادات العسكرية الأخرى يكمن فى الحفاظ على ما اكتسبوه بأنفسهم من تشاركيات حرة ، وليس قهرهم بأجهزة الأمن وغسيل العقول .
موقف اللينينين من ضرورة الديكتاتورية لحماية الثورة لم يكن مبرهنا عليه فى الحرب الأهلية ، و التى تلت الثورة الروسية ؛ فى الحقيقة بدون الدعم من الأناركيين وقوى الجناح اليسارى الأخرى و عبر الشعب الروسى حكومة البلشفيك كانت ستهزم لا محالة .
والحقيقة أن الديكتاتورية انقلبت على داعميها ، وطاردت الحركات الأناركية الأوكرانية والروسية وحتى المعارضين أيديولوجيا فى الحزب البلشفى حيث واجهوا السجن و القتل و النفى . ملايين من المواطنيين الروس قد قتلهم لينين و تروتسكى حقا بعد الحرب الأهلية بينما كانوا يشددون من سلطة الدولة وهو ما سبق حكم ستالين الدموى.
الدرس هو أننا لن نخدع لكى نسلم سلطة الشعب المتجذرة لديكتاتورين يقودونا كأصدقائنا وقادتنا.
نحن لا نحتاج الحلول الماركسية اللينينية فهى خطيرة ومضللة .هناك طريق آخر ، لكن عند كثير من اليساريين و الناس العاديين الاختيار الوحيد يظهر ليكون بين الفوضى الأناركية أو الأحزاب الشيوعية الماركسية مهما كانت دوجمائية و ديكتاتورية . هذه هى النتيجة الأولية لعدم الفهم والدعاية.
الأناركية كأيديولوجية تقدم بنيات تنظيمية ملائمة ، بمقدار ما هى بديل صالح للنظرية الثورية ، و التى لو استخدمت يمكن أن تكون أساس لتنظيم بصلابة التنظيم الماركسى اللينينى (أو حتى أكثر منه )، هذه المنظمات ستكون مساواتية و واقعية لمنفعة الناس فقط أكثر من القادة الشيوعيين.
الأناركية غير مقيدة بأفكار نظرى فرد، ومن ثم فهى تسمح بالإبداع فرديا ليتطور فى شتى التجمعات بدلا من الدوجمائية المميزة للماركسيين اللينينيين ،ولكونها ليست عقيدة دينية فهى تشجع التعامل الواسع مع الإبداع والتجريب والارتقاء بمؤيديها ليجيبوا واقعيا على متطلبات الظروف المعاصرة.
هى مفهوم لصنع أيديولوجيا صالحة لمتطلبات الحياة بدلا من محاولة صنع حياة صالحة لمتطلبات الأيديولوجيا، ومن ثم فالأناركيون يبنون منظمات لتبنى عالم جديد لا لتديم سلطتها فوق الجماهير .
يجب أن نبنى حركة أممية تنسيقية منظمة تهدف إلى تحويل الكوكب إلى تشاركية ستكون وثبة كبرى فى التطور الإنسانى وخطوة ثورية عملاقة .أنها تغير العالم الذى نعرفه وتنهى المشاكل الاجتماعية التى طالما اجتاحت الجنس البشرى ،أنها بدأ عصرا جديدا من الحرية والإنجاز.
دعنا نتفق معه لنحصل على عالم نكسبه!

معايير تحديد الطبقات الاجتماعية وأنماط الإنتاج

معايير تحديد الطبقات الاجتماعية وأنماط الإنتاج

سامح سعيد عبود

لأن هناك كثير من الكتابات والتعليقات من كتاب كبار يدعون الماركسية والعلمية وخلافه، مليئة بأخطاء مروعة، فيما يتعلق بتحديدهم وفهمهم للعلاقات الإنتاجية وأنماط الإنتاج، وبرغم ذلك لم يتصدى لتصحيحها أحد من الكتاب الكبار فعلا لا قولا، فقد رأيت توضيح المعايير العلمية لتحديد الطبقات و أنماط الإنتاج باختصار شديد، و هو رد بعيد عن المهاترات والشخصنة.
المعايير التى تحدد مكانة الشخص طبقيا يمكنا توضيحها على النحو التالى :.
أولا:ـ ملكية وسائل الإنتاج
ا -يملك وسائل الإنتاج ب-لا يملك وسائل الإنتاج ج- يملك وسائل إنتاج محدودة لا يعتد بها.
ثانيا:ـ موقفه فى سوق العمل
ا - يبيع قوة عمله ب - يشترى قوة عمل غير محدودة ج - يشترى قوة العمل محدودة د -لا يشترى ولا يبيع قوة عمل ه - يشترى قوة عمل الآخرين و يبيع قوة عمله فى نفس الوقت.
ثالثا:ـ الكيفية التى تتم بها عملية بيع قوة العمل فى ظل العلاقات الإنتاجية المختلفة
أ‌- وفق قواعد الإذعان التى يضعها المشترى للبائع ب-‌وفقا لتوازنات القوى بين البائع والمشترى وظروف سوق العمل ج- لا يبيع قوة عمله
رابعا: - الكيفية التى تتم بها عملية استخدام قوة العمل فى ظل العلاقات الإنتاجية المختلفة
أ‌- يستخدم العمل الجبرى والمجاني ب‌- يخضع للعمل الجبرى والمجانى. ج-لا يستخدم العمل الجبرى والمجانى د –لا يخضع للعمل الجبرى والمجانى
خامسا:ـ فيما يتعلق باتخاذ القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى
ا -يتخذ القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى ب ـ لا يتخذ القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى ج -يشارك فى اتخاذ القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى.
سادسا:ـ فيما يتعلق بممارسة السلطة داخل النطاق المباشر للإنتاج
أ - يمارس السلطة داخل النطاق المباشر للإنتاج ب ـ لا يمارس السلطة داخل النطاق المباشر للإنتاج ج - مهيمن وخاضع فى نفس الوقت داخل هرم السلطة.
سابعا:ـ فيما يتعلق بممارسة السلطة على مستوى النظام فى مجموعه
أ‌ - يمارس السلطة على مستوى النظام فى مجموعه ب- لا يمارس السلطة على مستوى النظام فى مجموعه.
ثامنا:ـ فيما يتعلق بإمكانية استغلال السلطة لتحقيق منفعته الشخصية
ا - يمكنه استغلال السلطة لتحقيق منفعته الشخصية ب - لا يمكنه استغلال السلطة لتحقيق منفعته الشخصية .
تاسعا:ـ الاستغلال
ا- يستغل عمل الآخرين ب - لا يستغل عمل الآخرين ج- خاضع للاستغلال ولكنه يشارك فى استغلال الآخرين.
عاشرا:ـ مصدر استغلاله لعمل الآخرين
ا - يملك وسائل الإنتاج ب- يملك سلطة العنف المادى أو المعنوى ج - يملك السلطة المعرفية
حادى عاشرا:ـ من حيث امتلاكه معرفة أو مهارة تميزه داخل طبقته تعطيه قدرا محدودا من السلطة والامتيازات بالمقارنة مع باقى أفراد طبقته
أ‌ - يملك معرفة أو مهارة تميزه داخل طبقته ب - لا يملك معرفة أو مهارة تميزه داخل طبقته.
ثانى عشر:ـ مصدر الدخل
أ -عوائد التملك الربح والريع والفائدة ج -عائد السلطة من الامتيازات النقدية والعينية ب -عوائد العمل الأجر
ثالث عشر :_ الأهمية النسبية فى إنتاج القيمة المضافة
أ‌ - أهمية رئيسية ب-أهمية ثانوية
***
أنماط الإنتاج الشائعة
الجوهرى فى نمط الإنتاج هو العلاقة الإنتاجية بين الأطراف الداخلين فى تلك العلاقة، أما قوى الإنتاج بما تشمله من وسائل إنتاج وقوة عمل بشرى باعتبارها العنصر الثانى فى نمط الإنتاج فهى العنصر الحاكم فى تشكيل العلاقات الإنتاجية التى تميز نمط إنتاج من نمط آخر، وفى كل لحظة تاريخية تتجاور أشكال مختلفة من الأنماط الإنتاجية بعضها سائد وبعضها هامشى أو متنحى، وتنقسم علاقات الإنتاج عموما إلى نوعين علاقات تعاونية بين أطراف متجانسة، وعلاقات صراعية تنافسية بين أطراف متناقضة، وبالنسبة إلى الأخيرة فإن ما يميز علاقة عن علاقة، هو درجة حرية صاحب قوة العمل(العبد أو القن والعامل) مع الطرف الآخر (مالك العبد، والسيد والرأسمالى)، فالعبد مملوك بالكامل لمالكه لا يملك أى حرية فى العلاقة، والقن خاضع لأشكال من العمل الجبرى والمجانى لصالح سيده و هو يملك بعض الحريات والحقوق فى العلاقة، وهو ما يميز العلاقات الإقطاعية عموما، والعامل الحر هو من يبيع قوة عمله للرأسمالى الذى يشترى تلك القوة مقابل أجر، وهو ما يميز العلاقات الرأسمالية عموما، وبناء على ذلك، و بتطبيق هذه المعايير، و وفقا للجدول فلدينا ثلاث طبقات رئيسية هى البورجوازية والبيروقراطية والبروليتاريا ، تنقسم بدورها إلى ثلاث وعشرين طبقة فرعية، بعضها يسكن موقع متجانس من السلطة، مهيمن أو مهيمن عليه، وبعضها يقع فى موقع متناقض مهيمن ومهيمن عليه فى نفس الوقت، وبعضها يقع فى موقع مختلط متناقض أحيانا ومتجانس أحيانا أخرى.
وبتطبيق هذه المعايير نكتشف أن لدينا خمس أنماط إنتاج هى الرأسمالية والبيروقراطية والرأسمالية الصغيرة والفردية والتعاونية، مع استبعاد ذكر الأنماط الإقطاعية والعبودية والمشاعية، التى اختفت أو تلاشت أو تهمشت تماما فى عالمنا اليوم، وهذا لا ينفى وجود علاقات قنانة متمثلة فى أشكال من العمل العمل الجبرى و المجانى خصوصا فى الاقتصاد غير الرسمى تنتمى لما قبل الرأسمالية.
***
نمط الإنتاج الرأسمالى
العلاقة الرأسمالية تقوم بين طرفين أساسيين رأسماليون يشترون قوة عمل العمال بشكل غير محدود مقابل أجر فى علاقة قابلة للتفاوض، ولكن النمط نفسه تتواجد به طبقات فرعية، على النحو التالى:
1 - البورجوازيون الكبار(الرأسماليون)
يملكون وسائل الإنتاج، و يشترون قوة العمل بشكل غير محدود، وفق توازنات السوق، و يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون العمال، كما يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل، ومصدر دخلهم الملكية.
2- البيروقراطية العليا بالمنشئات الرأسمالية
يملكون أو لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق توازنات السوق و يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون العمال، كما يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم العمل و السلطة. بجوار دخلهم كملاك.
3 - مديروا العموم بالمنشئات الرأسمالية

يملكون أو لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق توازنات السوق ولا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لايستغلون العمال، و يمارسون أو لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم العمل و السلطة. بجوار دخلهم كملاك
4- المشرفون الأعلى بالمنشئات الرأسمالية

يملكون أو لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق توازنات السوق ولا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لا يستغلون العمال، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم العمل و االسلطة. بجوار دخلهم كملاك
5- العمال المهنيين والفنيين والحرفيين بالمنشئات الرأسمالية

لا يملكون وسائل إنتاج، و يبيعون قوة عملهم وفق توازنات سوق العمل ، و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و يتم استغلالهم و هم لا يمارسون أى شكل من أشكال الاستغلال. ولكنهم يملكون معرفة أو مهارة تميزهم من بين العمال تعطيهم قدرا محدودا من السلطة والامتيازات بالمقارنة مع باقى العمال العاديين، ومصدر دخلهم العمل
6- العمال العاديين بالمنشئات الرأسمالية
لا يملكون وسائل إنتاج،و يبيعون قوة عملهم وفق توازنات سوق العمل ،و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و يتم استغلالهم و هم لا يمارسون أى شكل من أشكال الاستغلال. ولا يملكون معرفة أو مهارة تميزهم من بين العمال.ومصدر دخلهم العمل
نمط إنتاج بيروقراطى (رأسمالية دولة)
العلاقة البيروقراطية تقوم بين طرفين أساسيين الدولة تشترى قوة عمل العمال بشكل غير محدود مقابل أجر فى علاقة إذعان تميزهم عن العمال لدى الرأسماليون، ولكن النمط نفسه تتواجد به طبقات فرعية، على النحو التالى:
7-الإدارة العليا بالقطاع العام
لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق قواعد الإذعان، و يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون العمال، كما يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم السلطة والعمل.
8-المديرون بالقطاع العام
لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق قواعد الإذعان ولا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لا يستغلون العمال، و يمارسون أو لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم السلطة والعمل.
9- المشرفون الأعلى بالقطاع العام
لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق قواعد الإذعان، ولا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لا يستغلون العمال، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم السلطة والعمل.
10- المهنيون والفنيون والحرفيون بالقطاع العام
لا يملكون وسائل إنتاج،و يبيعون قوة عملهم وفق قواعد الإذعان ،و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و يتم استغلالهم، و هم لا يمارسون أى شكل من أشكال الاستغلال. ولكنهم يملكون معرفة أو مهارة تميزهم من بين العمال تعطيهم قدرا محدودا من السلطة والامتيازات بالمقارنة مع باقى العمال العاديين، ومصدر دخلهم العمل.
11- العمال العاديين بالقطاع العام
لا يملكون وسائل إنتاج،و يبيعون قوة عملهم وفق قواعد الإذعان ،و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و يتم استغلالهم و هم لا يمارسون أى شكل من أشكال الاستغلال. ولا يملكون معرفة أو مهارة تميزهم من بين العمال ومصدر دخلهم العمل
نمط إنتاج رأسمالى بسيط
العلاقة الرأسمالية البسيطة تقوم بين طرفين أساسيين رأسماليون يشترون قوة عمل العمال بشكل محدود مقابل أجر فى علاقة قابلة للتفاوض، على النحو التالى:
12- البورجوازيون المتوسطون (صغار الرأسماليون)
يملكون وسائل الإنتاج و يشترون قوة العمل بشكل محدود وفق توازنات السوق و يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، ودورهم رئيسى فى إنتاج القيمة، و يستغلون العمال، لكنهم لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل.و ومصدر دخلهم الملكية والسلطة والعمل بجانب العدد القليل من العمال الذين يوظفوهم
13- العمال بالمنشئات الرأسمالية البسيطة
لا يملكون وسائل إنتاج،و يبيعون قوة عملهم وفق قواعد السوق ،و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل ودورهم رئيسى أو ثانوى فى إنتاج القيمة ، و يتم استغلالهم و هم لا يمارسون أى شكل من أشكال الاستغلال. ومصدر دخلهم العمل.
نمط إنتاج فردى
يهدف الفرد المستقل لإنتاج منتج أو تقديم خدمة مع تبادل بسيط يقوم على المقايضة أساسا بين منتجاته أو خدماته، و بين منتجات الآخرين أو خدماتهم ، والنمط نفسه لا يضم سوى طبقة واحدة هى
14- البورجوازيون الصغار ( مهنيون وحرفيون وفنيون ومزراعون مستقلون)
يملكون وسائل إنتاج محدودة أو مهارات وخبرات يدوية أو ذهنية، و لكنهم لا يشترون و لا يبيعون قوة العمل، و يتخذون القرارات الرئيسية، ويمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، ولكنهم لا يمارسون السلطة على مستوى النظام فى مجموعه، و لا يقومون بالاستغلال، ومصدر دخلهم الملكية والعمل
نمط إنتاج تعاونى
15- منتجون متعاونون أحرار
يملكون وسائل إنتاج محدودة أو مهارات وخبرات يدوية أو ذهنية، و لكنهم لا يشترون و لا يبيعون قوة العمل، و يتخذون القرارات الرئيسية، ويمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، ولكنهم لا يمارسون السلطة على مستوى النظام فى مجموعه، و لا يقومون بالاستغلال، ومصدر دخلهم الملكية والعمل
طبقات غير محددة
16- المهمشون
لا يملكون وسائل إنتاج أو يملكون وسائل إنتاج محدودة، كما يملكون أو لا يملكون مهارات وخبرات يدوية أو ذهنية، و يبيعون قوة العمل وفق قواعد السوق أو الإذعان أو يشترون قوة عمل محدودة وفق قواعد السوق، و يتخذون أو لا يتخذون القرارات الرئيسية، ويمارسون أو لا يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، ولكنهم لا يمارسون السلطة على مستوى النظام فى مجموعه،ويخضعون أحيانا للعمل الجبرى والمجانى، و يقومون أو لا يقومون بالاستغلال، ومصدر دخلهم الملكية والعمل.
17- المندمجون
يملكون وسائل إنتاج إما محدودة أو غير محدودة ، و يشترون قوة العمل بشكل محدود أو لا محدود، و يبيعون قوة العمل وفق قواعد السوق أو الإذعان، و يتخذون أو لا يتخذون القرارات الرئيسية، ويمارسون أو لا يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، ويمارسون أو لا يمارسون السلطة على مستوى النظام فى مجموعه، و يقومون بالاستغلال ، ومصدر دخلهم الملكية والسلطة والعمل.
موظفوا الحكومة
18- كبار الرجال الدولة
لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق قواعد الإذعان، وقد يستخدمون العمل الجبرى و لا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و لا يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لا يستغلون سلطاتهم، كما يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم السلطة والعمل.
19- مديروا العموم بالدولة
لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق توازنات الإذعان، وقد يستخدمون العمل الجبرى، ولا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لا يستغلون سلطاتهم، و يمارسون أو لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم العمل و السلطة.
20- المشرفون الأعلى بالدولة
لا يملكون وسائل الإنتاج و يبيعون قوة العمل وفق قواعد الإذعان وقد يستخدمون العمل الجبرى ، ولا يتخذون القرارات الرئيسية للإنتاج والتراكم الرأسمالى، و يمارسون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و يستغلون أو لا يستغلون سلطاتهم، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل. ومصدر دخلهم العمل و السلطة.
21- المهنيون والفنيون والحرفيون بالدولة
لا يملكون وسائل إنتاج،و يبيعون قوة عملهم وفق قواعد الإذعان وقد يستخدمون العمل الجبرى، و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و هم قد يستغلون أو لايستغلون سلطاتهم. فضلا عن أنهم يملكون معرفة أو مهارة تميزهم من بين الموظفين العاديين تعطيهم قدرا محدودا من السلطة والامتيازات بالمقارنة مع باقى الموظفين العاديين ومصدر دخلهم العمل و قد يستغلون سلطاتهم أو لا يستغلونها.
22- صغار موظفى الحكومة العاديين الأقرب للبيروقراطية
لا يملكون وسائل إنتاج، و يبيعون قوة عملهم وفق قواعد الإذعان وقد يستخدمون العمل الجبرى، و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و يتم استغلالهم و قد يستغلون سلطاتهم أو لا يستغلونها.
23- صغار موظفى الحكومة العاديين الأقرب للعمال
لا يملكون وسائل إنتاج،و يبيعون قوة عملهم وفق قواعد الإذعان ،و لا يتخذون أى قرارات رئيسية ، و لا يملكون السلطة داخل النطاق المباشر للعمل، و لا يمارسون السلطة على مستوى النظام ككل و يتم استغلالهم و هم لا يمارسون أى شكل من أشكال الاستغلال. ولا يملكون معرفة أو مهارة تميزهم من بين الموظفين .
*****************************************

(المعايير مقتبسة مع الكثير من التعديلات بما يتناسب مع أفكار الباحث من كتاب نحو خريطة طبقية لمصر للأستاذ الدكتور إبراهيم حسن العيسوى _ المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية القاهرة 1989)



الثورات التقنية وأثرها على التحولات الاجتماعية

الثورات التقنية وأثرها على التحولات الاجتماعية

سامح سعيد عبود

الثورات التقنية وأثرها على التحولات الاجتماعية

فى مناطق معينة فى الشرق الأوسط منذ عشرة آلاف عام، أكتشف البشر الزراعة التقليدية، ومن ثم الاستقرار فى القرى والمدن، وأدى هذا الاكتشاف إلى نشوء المجتمعات الطبقية ما قبل الرأسمالية، وعلاقات العبودية والقنانة المعممة منها وغير المعممة، ونشأت الدولة بدلا من القبيلة كمؤسسة اجتماعية، وأخذ تطور البشر الحضارى يرتبط بنوع المعدن الذى يصنعون منه أدواتهم، فحضارات عصر الحجر ما قبل التاريخ المكتوب غير حضارات عصر النحاس الذى تلاه، غير عصر حضارات البرونز، وأخيرا حضارات عصر الحديد.
ظهرت منذ قرنين الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر لتغير وجه العالم بدءا من إنجلترا، ولتظهر الرأسمالية والدولة الحديثة، بكل ما مرت به من تطورات كانت مرتبطة بوضوح بتطور الطاقة المستخدمة إلى حد كبير، فعصر الرأسمالية التنافسية ارتبط بقوة بالفحم والبخار فى القرن 19 وصناعات الغزل والنسيج على سبيل المثال، وعصر الرأسمالية البيروقراطية والاحتكارية أرتبط بقوة مع الكهرباء والبترول فى القرن 20 وصناعات الأجهزة المنزلية والسيارات على سبيل المثال، ولا شك أن عصر الرأسمالية الكوكبية فى القرن الحالى، ارتبط بقوة مع الثورة التقنية فى مجالات الحاسوب والاتصالات والأنترنت والأتمتة.
كان لهذه الثورة الأخيرة الأثر الأعظم فى تشكيل عالمنا اليوم، ومن هذه الآثار ، أن عدد الأيدي العاملة في القطاعات الصناعية راح يتضاءل بسرعة حتى بلغ نسبة 14% من إجمالي الأيدي العاملة فى انجلترا بلد الثورة الصناعية الأولى، وبلغ في الولايات المتحدة أقل من 20% من إجمالي القوى العاملة، مقارنة بـ25% في عام 1970، وتلي الولايات المتحدة وبريطانيا كلا من فرنسا واليابان وأخيرا ألمانيا وإيطاليا. ويتكرر هذا النمط في بقية الدول الصناعية المركزية بدرجات متفاوتة، بل وفى بلد متوسط النمو كمصر انخفض من 40% فى السبعينات إلى 23% فى بداية القرن الحادى والعشرين، وهذا يعنى تخلفا كارثيا، وفقا لمفاهيم الاقتصاد التقليدى، إلا أن العكس هو الصحيح، فتقلص العاملين في قطاع الصناعة في دول المركز لا يعني ضعفا، بل يعني مزيدا من القوة الاقتصادية، وذلك لأن الثورة التكنولوجية الجديدة أدت إلى أن تحل الآلات محل الأيدي العاملة البشرية بحيث انحسرت هذه الأيدي، بينما ارتفع الإنتاج الصناعي نفسه، وفاضت السلع على الاحتياجات البشرية، وتحولت الصناعات فى المركز من صناعات كثيفة العمالة، وهى صناعات القرنين التاسع عشر والعشرين مثل صناعة الحديد والصلب والأسمنت والغزل و النسيج والسيارات والأجهزة المنزلية التى رحلت لدول شبه المحيط مثل الصين، إلى صناعات كثيفة المعرفة، مثل الإلكترونيات و الأدوية والآلات و منتجات النانو تكنولوجى والهندسة الوراثية، فإنتاج برنامج تشغيلي للكومبيوتر (مثل وندوز) يعود على الاقتصاد بأرباح مضاعفة عشرات المرات من إنتاج القرص المدمج الذي يسجل عليه البرنامج نفسه، وذلك لأن إنتاج البرامج أمر معقد، ويحتاج إلى كثير من الجهد الذهنى الأكثر إرهاقا من الجهد العقلى، و كثير من وقت العمل الاجتماعى لكتابة تلك البرامج التى هى أوامر تشغيل وليست مجرد رص معلومات، بينما تصنيع القرص نفسه أمر سهل، ربما لا يحتاج سوى لضغطة على زر ماكينة إنتاجه، وينعكس ذلك بوضوح في السعر، فالقرص الفارغ يكلف أقل من جنية، بينما يكلف القرص الذي يحمل برنامج «وندوز» نحو بضعة مئات من الجنيهات، والشيء نفسه ينطبق على الغسالة الفول أتوماتيك، فإنتاج الغسالة في حد ذاته لا يعني شيئا من دون برنامج التشغيل الخاص بها، ومن ناحية أخرى فإنتاج الآلة المؤتمتة التى صنع بها القرص إنتاج تقنى عالى يظل من نصيب المركز، وإن كان لا يطرح فى أسواق السلع الاستهلاكية كى يلاحظه الناس، وأن تكلفة البرامج التى أصبحت موجودة تقريبا فى كل أجهزة الاستهلاك مثل السيارات والمكيفات كما فى كل آلات الإنتاج ومعداته التى تنتج سلع الاستهلاك، أعلى كثيرا من تكلفة إنتاج الأجهزة والآلات نفسها، وبالتالى فإن أجور المبرمجين أعلى بكثير من أجور عمال تشغيل الآلات والمعدات،لأن التكلفة الاجتماعية لإنتاج مبرمج أعلى بكثير من التكلفة الاجتماعية لإنتاج عامل تشغيل ماكينات، مع ملاحظة أن السوفت وير لابد له من بروسيسور يباشر تنفيذ أوامره، وهى صناعة عالية التقنية بدورها، ومن ثم يصنع البروسيسور فى دول المركز لا فى دول المحيط، أما صناعة باقى الأجزاء الميكانيكية والكهربائية فينتج أحيانا فى دول شبه المحيط، فى حين يترك تجميع الأجهزة نفسها إلى دول المحيط، والمثل الآخر على تأثير الثورة التقنية فى إحداث التحولات الاجتماعية، هو مثل تجميع النصوص لطباعتها، فقديما كان تجميع صفحات الكتب والصحف يتم بشكل يدوى يشارك فيه أكثر من عامل فى عمل شاق يبدأ من صهر الرصاص ثم صب الرصاص المصهور فى قوالب الحروف الأبجدية المختلفة، ورصها فى دولاب مقسم لخانات لكل حرف وموقعه فى الكلمة، ليأتى عامل التجميع يلتقط حروف الرصاص من الدولاب ليضعها فى صندوق مطابقا النص المكتوب أمامه، وهذا يحتاج تركيز هائل، فأى خطأ غير مسموح به، لأن هذا يعنى فك قالب الرصاص وإعادة تجميعه، ثم يذهب القالب لآلة الطباعة، ثم تتوالى عمليات أخرى من عمال آخرين تنتهى بالتجليد، وهذا شرح مبسط للغاية لعملية الطباعة قديما، أما الآن فيتم تجميع الكتاب أو الصحيفة بكل صفحاتها باستخدام الكومبيوتر الشخصى المحمل عليه برامج النشر المكتبى وبرامج الكتابة والرسم المختلفة، ويتم تصحيح النص أكثر من مرة بسهولة ويساعد فى هذا برامج الكتابة نفسها، بجهد عقلى وعضلى أقل بمراحل من جهد التجميع اليدوى وبواسطة عامل واحد، و فى وقت عمل أقل بمراحل من وقت التجميع اليدوى، ويرسل الكتاب أو الصحيفة إلى المطبعة كنص رقمى على أسطوانة مدمجة ليدخلها العامل إلى آلة الطباعة مبرمجة بدورها هى الأخرى، ليخرج كتاب مجلد أو صحيفة كاملة بعدد النسخ المطلوبة دون أن يمسسها بشر، وهذه عمليات كان يقوم بها عدة عمال من قبل.
انتقال الصناعات التى لا تحتاج لمهارات عالية من المركز إلى الدول شبه المحيطية، تطلب توسع عدد الوظائف التي تتطلب مهارات عالية في المركز، وانخفاض فى الطلب على العمالة غير الماهرة فى تلك البلاد المركزية، على عكس ما حدث فى دول المحيط، وكان هذا سببا فى انتقال شركات عالمية ضخمة إلى المحيط وشبه المحيط، تلك الفروع والصناعات المعتمدة على العمالة غير الماهرة، وضعيفة الإنتاجية، والأكثر استخداما لعضلاتها من عقولها، بالإضافة طبعا لكونها أيدى عاملة رخيصة، مقارنة بأجور العمالة فى دول المركز.
بلغت قيمة إنتاج الصين الصناعي في عام 2005 نحو 700 مليار دولار، أي نصف ما أنتجته الولايات المتحدة على الرغم من أن عدد العمال الصناعيين في الصين يبلغ 6 أضعاف عددهم في الولايات المتحدة، والسبب أن إنتاجية العامل الأميركي تعادل 12 ضعف إنتاجية نظيره الصيني، والفضل في ذلك يعود للتقنيات الحديثة المتوافرة للعامل الأميركي، والتى لا تتوافر للعامل الصينى، ولكن هناك سبب آخر أهم، وهو أن الأيدي العاملة في المركز تعيد تأهيل نفسها باستمرار وبسرعة لمواكبة الثورة المعرفية والتكنولوجية الحديثة، ومن جهة أخرى فإن هناك سبب آخر لتحول الأيدي العاملة من الصناعة إلى الخدمات، هو أن السلع يمكن بسهولة إنتاجها عبر الآلات المؤتمتة والبشر الآليين، بينما الخدمات الطبية والتعليمية والمالية تحتاج إلى الأيدي والعقول البشرية، وأخيرا فإن هناك حدودا لاستهلاك السلع، أما الخدمات فإن حدود استخدامها أكثر اتساعا من السلع.
لاشك أن الاعتماد على الآلة المؤتمتة في الصناعة يضاعف من إنتاجية السلع، لأن الآلة أقوى وأسرع من الإنسان، بالإضافة إلى أن توفير العمالة فى الصناعة، يفرغ الأيدي البشرية للعمل في قطاع الخدمات الذي لا يحتاج للآلة بقدر احتياجه للعقول والأفكار البشرية، وما ينطبق على الصناعة ينطبق على الزراعة، ويتضح هذا جليا في التاريخ الاقتصادي للدول المتطورة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث كان 70% من السكان يعملون في الزراعة التقليدية حتى عام 1820، بينما اليوم يعمل 2% فقط في الزراعة على الرغم من أن الإنتاج الزراعي أصبح أضعاف ما كان عليه الإنتاج فى القرن التاسع عشر، وكما أشرنا فإن نسبة 18% فقط تعمل في الصناعة، بينما يعمل أكثر من 80% في قطاع الخدمات .
الفارق التقليدي الحاد بين قطاعي الصناعة والخدمات قد يتلاشى تدريجيا مع تطور التكنولوجيا نفسها، فنصف العاملين في القطاع الصناعي في الولايات المتحدة اليوم يعملون في التصميم الهندسي و البرمجة وفي الإدارة والتسويق. ولكن لأنهم يعملون في مصانع، فإن الإحصاءات الرسمية تعدهم ضمن القطاع الصناعي، بينما يحسبهم الاقتصاديون ضمن قطاع الخدمات، و العاملون فى صناعة الكومبيوتر، يعملون فى قطاع يمزج بين الخدمات والإنتاج، إذ إن الكومبيوتر نفسه لا يعني شيئا من دون البرامج التي تشغله (مثل وندوز وغيره). والعاملون فى صيانة الكومبيوتر يعملون على إعادة تجميعه، كما أن الإنتاج الثقافى والإعلامى والذى يعتبر من قطاع الخدمات، فإنه فى حقيقته يبيع سلعا تباع فى الأسواق، شأنها شأن الملابس والأطعمة، سواء أكانت كتب أو أفلام أو برامج إعلامية أو درامية أو صحف، فإنتاج هذه السلع وبيعها ينتمى للصناعة و الخدمات فى نفس الوقت، كما أن سلاسل مطاعم الوجبات الجاهزة، والتى تنتمى لقطاع الخدمات تصنع وتبيع السلع فى نفس الوقت، وحتى الفرق بين الزراعة والصناعة أخذ يتلاشى، فالهندسة الوراثية واستخدماتها فى الزراعة، مع آليات متطورة للرى والصرف، وتغذية النباتات ورعايتها، وغيرها من التطورات التقنية الخاصة بالتحكم فى المناخ المحيط بنمو النباتات و تغذيته فى الصوب وغير ذلك، حول المزرعة لمشروع شبه صناعى يعتمد على الآلات أكثر من المشروع الزراعى التقليدى المعتمد على الجهد العضلى وظروف الطبيعة، و هذه كلها أمثلة على أن كثيرا من الصناعات الحديثة تمزج بين قطاعي الصناعة والخدمات، وبين الزراعة والصناعة، وبين الزراعة والخدمات. لكن الفرق بين طبيعة المهن الإنتاجية والخدمية والزراعية يبقى واضحا، حتى وإن ذابت الفوارق بين القطاعات وتسمياتها.
ما سبق الحديث عنه هو التقنيات المستخدمة اقتصاديا فعلا ، وما أحدثته من تحولات اجتماعية، أما آفاق التطور العلمى والتكنولوجى فى المستقبل القريب فإنها سوف تنقل البشر المرتبطين بالثورة العلمية والتقنية، إلى آفاق تتجاوز كل ما يحسبه البعض خالد من علاقات ونظم اجتماعية، يقودهم صناع تلك التقنيات من علماء ومبتكرين ومصممين ومبرمجين، فاكتشاف واستخدام مصادر لا تنفذ للطاقة النظيفة سوف يؤدى إلي نقلة نوعية في علاقة الإنسان بالطبيعة حيث سوف يتحرر إلي الأبد من العوز في مصادر الطاقة التى يعتمد عليها في حياته عموما،ويتجه العالم الآن لاستخدام مصادر أخري لا متناهية للطاقة النظيفة وغير المكلفة مما يعد ثورة كبري تفوق الثورة التي ترتبت علي اكتشاف البترول، وضمن مصادر الطاقة الجديدة الرياح والأمواج والهيدروجين والاندماج النووي. إن حلم إنتاج طاقة نظيفة ورخيصة، ومن مصادر لا تنفذ علي وشك التحقق بل هو يتحقق الآن بالفعل ولن تمر سوى عدة عقود حتي يستبدل البترول والفحم نهائيا بالطاقة الهيدروجينية والاندماجية.
وسوف يتغير العالم كليا مع تحقق هذه الثورة، فستصبح البيئة أنظف بكثير حيث سينعدم انبعاث ثانى أوكسيد الكربون والغازات الأخرى الملوثة للبيئة كما سيرتفع معدل النمو الاقتصادي بشدة نتيجة رخص الطاقة وسهولة إنتاجها ووفرتها، وللقارئ أن يتصور مصير البلاد التي تتعيش علي نهب العالم باحتكارها للبترول والتحولات السياسية التي ستترتب علي ذلك .


من أجل فهم أنماط الإنتاج وعلاقاته وطبقاته

من أجل فهم أنماط الإنتاج وعلاقاته وطبقاته

سامح سعيد عبود

من أجل فهم أنماط الإنتاج وعلاقاته وطبقاته

الجوهرى فى أى إنسان هو الطريقة التى يشبع بها احتياجاته المادية، هل من عمله أم باستغلال عمل الآخرين، وهذا هو ما يحدد مصالحه الحقيقية، و من ثم يحدد مواقفه، و أفكاره عادة، مع ملاحظة أن الكثير من الناس يحصلون على دخولهم من مصادر متعددة، وبطرق متنوعة مما ينوع من مصالحهم ومواقفهم و أفكارهم فى الحياة، وباعتبار أن البشر لابد وأن يشبعوا هذه الاحتياجات المادية من خلال علاقات اجتماعية مع الآخرين، فإن الجوهرى فى أى مجتمع هو الطريقة التى يشبع بها البشر احتياجاتهم المادية المختلفة، و كيف تتوزع هذه الاحتياجات فيما بينهم، وبتعبير أدق العلاقات الاجتماعية التى يتم بها إنتاج احتياجاتهم المادية.
الرأسمالية السائدة حاليا على الأرض هى نمط إنتاج عالمى بطبيعته بخلاف غيرها من أنماط الإنتاج التى سبقته عبر التاريخ، و لا يمكن أن يفهم المجتمع البشرى فى ظل سيادة النمط الرأسمالي للإنتاج إلا كمجتمع واحد ينقسم لمجتمعات محلية، و لا يمكن فهم أى مجتمع محلى دون فهم أنه جزء لا يتجزأ من المجتمع البشرى ككل، رغم أننا ندرك بالطبع أن الأوضاع الاجتماعية تختلف نسبيا فى المجتمعات المحلية الأكثر تقدما عن الأوضاع فى المجتمعات المحلية الأقل تقدما، فكلما توجهنا نحو المجتمعات الأكثر تقدما من كوكب الأرض كلما زادت الملامح الرأسمالية الحديثة وضوحا، وعلى العكس، فكلما توجهنا إلى المجتمعات الأقل تقدما، كلما تشوهت أو تقلصت الملامح الرأسمالية بفعل بقايا علاقات الإنتاج غير الرأسمالية، كما يتكرر هذا فى كل مجتمع محلى على حدة، باعتبار أن المناطق الحضرية فى كل مجتمع محلى هى الأكثر تقدما فى هذا المجتمع، كما أن المناطق الريفية هى الأقل تقدما، إلا أنه وبالرغم من الاختلافات فى الأوضاع الاجتماعية بين مجتمع وآخر، إلا أنه لا توجد اختلافات جوهرية فى كل مجتمع محلى على مستوى القواعد العامة التى تميز المجتمعات الرأسمالية من أكثرها حداثة لأكثرها تقليدية، باعتبار أن الرأسمالية هى علاقة الإنتاج السائدة حاليا فى كل هذه المجتمعات.
خلال العقود القليلة الماضية ظهر نوع جديد من تقسيم العمل الدولى فيما بين المجتمعات المحلية فى الأرض، ففى حين أن التقسيم القديم كان يقسم المجتمعات المحلية لمجتمعات صناعية و مجتمعات منتجة للمواد الخام الزراعية والتعدينية، فإن التقسيم الحديث يرى أن كل مجتمع محلى ينقسم بحدة بين قطاعات صناعية و أكثر تطورا، و قطاعات منتجة للمواد الخام الزراعية والتعدينية أقل تطورا، وقطاعات خدمية، قطاعات منظمة و قطاعات غير منظمة، قطاعات رسمية و قطاعات سرية، قطاعات مدولة وقطاعات محلية، مع ملاحظة اختلاف الوزن النسبى لكل قطاع من مجتمع محلى لمجتمع آخر، و تتضح ملامح هذا التقسيم الجديد على نطاق العالم بمعدلات أسرع وأعمق من ملامح التقسيم القديم، حيث تتزايد الفجوة اتساعا، فى كل مجتمع محلى على حدى، بين القطاعات المتطورة و القطاعات الأقل تطورا، وبين القطاعات المنظمة والقطاعات غير المنظمة، وبين القطاعات الحديثة والقطاعات التقليدية، وبين كل من القطاعات الصناعية والخدمية والزراعية، و فى حين يزداد اندماج القطاعات المتطورة والمنظمة والمدولة عالميا فإن القطاعات الهامشية والتقليدية والمحلية والأقل تطورا تحاول التشبث بحدود مجتمعاتها المحلية، و مقاومة عملية الاندماج بين القطاعات الأكثر تطورا فيما يطلق عليه الكوكبة .
علاقة الإنتاج الرأسمالية، هى العلاقة القائمة بين العمال المضطرين إلى تأجير قوة عملهم اليدوية والذهنية، و الرأسماليون الذين يشترون تلك القوة مقابل أجر، وفق علاقة تعاقدية بين الطرفين تخلو من القهر و الإذعان، لإنتاج السلع وتقديم الخدمات المختلفة، و فى إطار هذا يتم خلق قيمة مضافة يتقاسمها الطرفين وفق توازنات القوى فيما بينهما، و من هنا فإن هذه الدراسة تطمح لتقديم صورة عامة عن هذه العلاقة، مع إلقاء الضوء على بعض القضايا ذات الصلة التى تزيد هذه الصورة وضوحا، ذلك أن نسبة هائلة لا يستهان بها من السكان فى كل المجتمعات المحلية، لا يشاركون فى هذه العلاقة لا كعمال ولا كرأسماليين كما سنرى خلال هذا البحث، أو يدخلون بالإضافة إليها فى علاقات إنتاجية أخرى غير سائدة، بعضها ينتمى لما قبل عصر سيادة الرأسمالية على الأرض، و بعضها مرشحة لتكون علاقات إنتاج سائدة فى المجتمعات ما بعد تجاوز الرأسمالية فى المستقبل، أما عن علاقات إنتاج مرحلة ما قبل سيادة الرأسمالية فلم تزول فى شتى أرجاء العالم، جنوبه وشماله وشرقه وغربه، وهو ما قد يفاجأ به القارئ، و تم إثباته فى هذا البحث، وبرغم أن الشائع أنها مجرد علاقات هامشية فى معظم الأحوال، إلا أن هذا يتناقض مع انخراط نسب كبيرة ومتزايدة من السكان فيها مع تقلص حجم المنخرطين فى العلاقة الرأسمالية.
من الضرورى أن ندرس العلاقات الأخرى من علاقات الإنتاج، لأن هناك تأثير متبادل بين ما هو سائد من علاقات إنتاج وما هو هامشى منها، وهو ما يقسم المجتمع لطبقات وشرائح وفئات اجتماعية عديدة بعيدا عن القسمة التبسيطية التى تقسم المجتمعات الحديثة إلى عمال و رأسماليين فقط. علاقات الإنتاج ما قبل سيادة الرأسمالية، والتى نشأت من قلب المجتمعات المشاعية العشائرية، بعضها كانت علاقات سائدة للإنتاج فى لحظات تاريخية معينة، مع تجاورها أحيانا مع علاقات إنتاجية أخرى هامشية، و من الجدير بالذكر أنه عندما تسود علاقة إنتاج معينة فى المجتمع فى فترة تاريخية، فإنها تحدد أسلوب الإنتاج فى المجتمع القائم، فعلاقات الإنتاج إذن هى عنصر من العناصر التى تكون نمط الإنتاج، أما العنصر الآخر الذى يشارك فى تكوين نمط الإنتاج، فهو قوى الإنتاج التى تضم بدورها عنصرين آخرين هما قوة العمل البشرى اليدوية والذهنية، و وسائل الإنتاج من أدوات وآلات ومواد خام وغيرها، فإذا كانت علاقات الإنتاج تحدد علاقات البشر فيما بينهم، و هم ينتجون احتياجاتهم المادية، فإن قوى الإنتاج هى التى تحدد علاقة البشر بالطبيعة، وهم يؤثرون فيها لإنتاج تلك الاحتياجات المادية.
أن ما هو جوهرى فى أى علاقة اجتماعية، هو مدى ما يتمتع به الطرفين الداخلين فى تلك العلاقة الاجتماعية من السلطة و من الحرية معا، مع ملاحظة أن هناك نوعان من السلطة، أحداهما نابعة من الإرادة الحرة للخاضعين لها، والأخرى منفصلة عن إرادة الخاضعين لها. و لا شك أن علاقة الإنتاج هى أهم تلك العلاقات الاجتماعية التى يدخل فيها البشر عموما، و فى الحقيقة نحن نمارس جميعا إلقاء الأوامر على من هم أدنى منا، والطاعة لأوامر من هم أعلى منا عشرات المرات يوميا، و نحن نمارس علاقتنا الاجتماعية المختلفة، و هذا يخلق صراعات اجتماعية بين من يأمرون و بين من عليهم الطاعة، أفرادا وجماعات، كما تخلق صراعات نفسية داخل كل إنسان، ما بين الاضطرار للرضوخ للأوامر والرغبة فى التمرد عليها، إلا أن ممارسة الأوامر والطاعة اليومية، وتبادل مواقع السلطة بين الآمرين والمأمورين فى شتى العلاقات الاجتماعية فيما بين البشر، لا ينفى الأهمية القصوى للانقسام الطبقى فى علاقة الإنتاج الرأسمالية، و فى كل علاقة إنتاج طبقية أخرى لمعسكرين طبقيين رئيسيين، وهما معسكرين متناقضين فى مصالحهما الأولية والنهائية، ومتصارعين فيما هو جوهرى فى العلاقة فيما بينهما، وبسبب هذا التناقض المستقل عن إرادتهما و وعيهما به، فإنهما يتصارعان فيما بينهما لتحقيق مصالحهما المتناقضة، سواء شاء البعض ذلك أم لم يشاءوا، خفت لهيب هذا الصراع أم اشتعل، اختفى هذا الصراع عن الأنظار أم ظهر للعيان، وهذا الصراع الطبقى هو اكتشاف لحقيقة واقعية، و ليس دعوة تقبل أو ترفض، و هو بديهية لا ينكرها إلا أصحاب المصلحة فى استمرار القهر والاستغلال فيما بين البشر.
فى العلاقات الرأسمالية من الإنتاج، كما فى كل العلاقات الإنتاجية الطبقية التى سبقتها، ينقسم البشر لمعسكرين رئيسيين، وفقا للإجابة على السؤال الآتى: من هم الذين يسيطرون علي المصادر المادية التى تمنح حائزيها السلطة فى المجتمع، و هى بالتحديد وسائل كل من الثروة والعنف والمعرفة؟، ومن هم المحرومين من السلطة فى المجتمع وفقا لحرمانهم من السيطرة على مصادرها المادية؟، ذلك أن السيطرة أو عدم السيطرة على مصادر السلطة المادية هى التى تحدد موقع كل فرد منا فى العلاقات الاجتماعية المختلفة، وموقعنا بالنسبة للسلطة، سواء أكنا ممن يأمرون فيطاعوا، أو ممن يتلقون الأوامر فيطيعوا، فمن يسيطر على الثروة والقوة والمعرفة يحكم، وما على الذى لا يسيطر على أى منهم سوى الطاعة للأولين.
ربما تكون النظريات الماركسية هى الأكثر اقترابا من الحقيقة الاجتماعية من بين الكثير من النظريات الاجتماعية الأخرى، لكنها لن تبلغ هى أو سواها، ما اقتربت به قوانين نيوتن الشهيرة فى الفيزياء من دقة وصف الحركة الميكانيكية فى الطبيعة، و برغم أن لهذه القوانين حتميتها ويقينيتها و دقتها عند مستوى السرعات البطيئة للأجسام، إلا إنها تفقد الحتمية واليقينية والدقة عند حركة الجسيمات الأولية التى تتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء. التى تصفها نظرية ميكانيكا الكم. وبناء على ذلك فإن التعامل مع قوانين التطور الاجتماعى الماركسية كما لو كانت قوانين نيوتن هو من قبيل تحويل الماركسية لدين يقوم على الإيمان وعدم قابليته للدحض، أكثر مما يقوم على المعرفة وقابليتها للدحض كما ينبغى لكل علم أن يكون.
تفترض الماركسية أنه توجد علاقة مؤكدة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج،و مع الإقرار بوجود العلاقة، إلا أنها نسبية واحتمالية، و ليست مطلقة وحتمية ودقيقة، والدليل على ذلك هو أن هناك علاقات عبودية وشبه عبودية مازالت قائمة فى شتى بقاع العالم حتى الآن برغم التطور المذهل فى قوى الإنتاج، حيث تسجل منظمة مكافحة العبودية العالمية أن هناك أكثر من 30 مليون عبد فى العالم، يتركزون فى بعض بلاد الجنوب، ورغم أن القوانين والمواثيق الدولية تجرم العمل الجبرى والمجانى، إلا إنه ظاهرة واسعة الانتشار عبر العالم سواء فى مركزه المتقدم أو فى أطرافه المتخلفة، وهو ما تسجله الكثير من المنظمات الدولية بما فيها منظمة العمل الدولية، وأن بلدا مثل الولايات المتحدة لم تقض على العبودية حتى أواخر القرن التاسع عشر، فى زراعة القطن و التبغ بولايات الجنوب، والتى كانت تستخدم أرقى ما عرفته البشرية من وسائل إنتاج زراعية، لا تختلف عن ما كانت تستخدمه المزارع الرأسمالية أو التعاونية فى ذلك الوقت.
الغريب أنه بالرغم من أن ما تم ذكره حقيقة شائعة، فقد تبنى ومازال يتبنى الملايين من البشر ذلك الربط الحتمى و المطلق بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، كما لو كان أحد قوانين نيوتن، ويبررون بناء على ذلك الإيمان الغيبى، حتمية فشل الثورات العمالية فى الأجزاء الأكثر تخلفا فى العالم، وتبنيهم الرؤية الإصلاحية والليبرالية بناء على ذلك، و استبعادهم لإمكانية تجاوز الرأسمالية الآن، وهو ما يمكن استبعاده أيضا باعتباره احتمال ضعيف، ولكن ليس لهذا السبب تحديدا، بل بسبب الضعف المزرى للقوى الاجتماعية القادرة على انجاز هذا التجاوز، وفى نفس الوقت المستوى الهائل من القوة والإمكانيات التى تملكها القوى صاحبة المصلحة فى استمرار الوضع على ما هو عليه، فالأمر هو أمر توازنات قوى طبقية، لا علاقة له بمستوى قوى الإنتاج.
أن من يستبعدون طرح تجاوز الرأسمالية الآن بناء على مسألة تخلف قوى الإنتاج، يتغافلون عمدا عن حقيقة موضوعية أخرى، هى أن البشرية وصلت إلى مستوى من التقدم العلمى والتكنولوجى، يتيح لها وفرة حقيقية تقضى على الندرة فيما يتعلق بضروريات الحياة لكل البشرية فى العالم، لو تم تنظيم الإنتاج فى العالم لإشباع الاحتياجات الاستعمالية الفعلية للبشر، بدلا من استنزافهم فى صناعات السلاح والكماليات وغيرها من الأنشطة الضارة بالبشر والبيئة، والتى تستنزف خيرة طاقاتهم الذهنية والبدنية حيث يعمل على سبيل المثال جزء كبير من العلماء والباحثين فى مجال تطوير الأسلحة، و يتيح هذا التقدم الموقوف حصرا لرفاهية النخب الحاكمة، و حماية أمنها ومصالحها، القضاء على انقسام البشر لمن يعملون معظم ساعات اليوم وطوال عمرهم، وبين من لا يعملون إطلاقا، أو يعملون أعمال تافهة أو أعمال يمكن الاستغناء عنها، فحيث أن ما يخلق الندرة و البطالة مقنعة وغير مقنعة، و ما يخلق الجوع فى العالم، ليس هو ضعف الإنتاجية، وتخلف فنون الإنتاج، بل هو الإهدار الهائل للموارد والطاقات فيما لافائدة منه، و بسبب طبيعة الإنتاج الرأسمالى القائم من أجل التبادل، ومن أجل الربح الرأسمالى الذى يهدر تلك الإمكانيات والموارد لصالح قلة تتركز فى يديها الثروة والسلطة.
ما ينفى العلاقة الحتمية و المطلقة بين وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج هو أن مصنع يعمل بنفس النوعية من الماكينات، وبنفس العدد من العاملين، يمكن أن يملكه شخص، يملك فى نفس الوقت العاملين فيه، وهذه علاقة إنتاج عبودية، أو أن يجبرهم على العمل لصالحه جبرا أو مجانا، وهذه علاقة إنتاج إقطاعية، أو مقابل أجر فى علاقة تفاوضية بين الطرفين، وهذه علاقة إنتاج رأسمالية، كما يمكن لهذا المصنع أن تملكه الدولة وتقوم بتشغيل العاملين فيه مقابل أجر وفق علاقة إذعان، يخضعون فيها لشروط العمل التى تحددها الدولة، وهذه علاقة إنتاج بيروقراطية، كما يمكن أن يملك هذا المصنع العاملين فيه، وأن يديروه لصالحهم وهذه علاقة إنتاج تعاونية. ويمكن أن يملك المجتمع المصنع وأن يديره العاملون فيه لصالح المجتمع، و هذه علاقة إنتاج جماعية (شيوعية)، وكل هذا وارد الحدوث ليس فقط على مستوى صناعة السلع بل وفى الزراعة وتقديم الخدمات، و الفرق الوحيد بين هذه الحالات سوف يكون فى مستوى إنتاجية هذه المنشئات، حيث سوف تتناسب زيادة الإنتاجية طرديا مع زيادة درجة الحرية لدى العاملين بالمنشأة، فتزداد كلما زادت درجة الحرية، و تقل كلما قلت درجة الحرية. فإنتاجية العبد تقل عن إنتاجية القن التى تقل بدورها عن إنتاجية العامل المأجور، والتى تقل بدورها عن إنتاجية المنتج الحر، بشرط استخدام نفس وسائل الإنتاج التى تزيد الإنتاجية أو تخفضها وفقا للمستوى الفنى لها، وهذا قانون أكثر حتمية ويقينية ودقة من قانون الربط المطلق بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وهو ما يمكن التأكد منه بالتجربة والممارسة، وليس فقط من الاستنتاج النظرى، الذى اكتفى بتبنيه البعض.
أن المجتمعات البشرية وعبر تطورها وبرغم وجود نفس المستوى من وسائل الإنتاج، عرفت العديد من علاقات الإنتاج المتجاورة، لكن يكون بعضها سائد ومتحكم فى غيره من العلاقات، وبعضها هامشى ومحكوم بغيره من العلاقات السائدة، وهذه العلاقات الإنتاجية المتجاورة، تكتسب وضع السيادة أو وضع الهامشية، بسبب عدة عوامل متفاعلة فى البنية الاجتماعية بمجملها، لا عامل مستوى تطور وسائل الإنتاج فقط مع الإقرار بأهميته، كما تتمسك بذلك الرؤى الماركسية الأحادية الجانب. فهناك طبيعة قوى العمل،والعلاقات فيما بينها، ومستوى الفن الإنتاجى، وهناك البنية السياسية للمجتمع وثقافته، و من ثم فقد توزعت قوى العمل فى كل مجتمع طبقى عرفه التاريخ المكتوب بين العبيد والأقنان والعمال المأجورين والمنتجين الأحرار، كما كان القطب المواجه لهم يتوزع هو أيضا بين ملاك عبيد وإقطاعيين و رأسماليين وبيروقراطيين، والفرق كان يكمن فى النسبة التى يمثلها كل منهما فى المجتمع ، ومدى أهميته وموقعه من السيادة والهامشية.
وفقا للتطور الاجتماعى الحالى يمكن لنا أن نلاحظ وجود علاقات إنتاج متعددة ومتجاورة، بيروقراطية ورأسمالية و رأسمالية صغيرة و عائلية وفردية وتعاونية، فضلا عن علاقات العمل الجبرى الشائعة فى الاقتصاد السرى، و هو ما ينتمى للأنماط الإقطاعية ما قبل الرأسمالية، وهذا يقسم المجتمع لطبقات وشرائح اجتماعية عديدة لكل منها رؤاها ومصالحها، و يزيد من هذا التنوع انقسام الاقتصاد فى كل دول العالم إلى رمزى وحقيقى من ناحية، و إلى رسمى وسرى من ناحية أخرى، ومن ثم فإن النظرة التبسيطية التى تقسم المجتمع الحديث لبرجوازية و بروليتاريا فقط تتغافل عن التنوع فى تركيب المجتمع الطبقى حاليا. و هى نظرة ناتجة عن رؤية التاريخ باعتباره انتقال من نمط إنتاج معين لنمط إنتاج آخر، بسبب التناقض بين قوى الإنتاج المتقدمة وعلاقات الإنتاج المتخلفة، وليس باعتباره تحول علاقة إنتاج من وضع السيادة إلى وضع الهامشية أو العكس فى مجتمع ما، و هو ما يؤدى إلى أن يسود نمط إنتاج أو يتلاشى فى لحظة تاريخية معينة.
إن انقسام كل معسكر اجتماعى كبير كما تحدده العلاقة الرأسمالية (العمالى والرأسمالى) إلى معسكرات فرعية يكون وفق مجال النشاط الإنتاجى التى تمارس من خلاله هذه العلاقة فيما إذا كان نشاطا صناعيا أو زراعيا أو خدميا، و لكن لا يدخل فى شروط الانضمام لمعسكر ما دون آخر، عوامل لا علاقة لها بمعيار تحديد الانتماء الطبقى، و هو الموقع فى علاقة الإنتاج الرأسمالية، هل هو العمل المأجور أم الملكية الرأسمالية.
مستوى معيشة الإنسان لا علاقة له بانتمائه الطبقى حيث أنه متغير نسبى من مجتمع لآخر، ومن زمن إلى زمن آخر، ومن مكان إلى مكان آخر، فمن زوايا كثيرة فإن فقراء اليوم أكثر ترفا من أغنياء الأمس، ولا شك أنه مع المزيد من التقدم العلمى والتكنولوجى، سيصبح أثرياء اليوم بؤساء من زوايا كثيرة بالمقارنة بفقراء الغد، فالصراع الطبقى لم يكن أبدا عبر التاريخ بين الفقراء والأغنياء، كما يصور البعض ذاك الصراع، و الذين يحلوا لهم تقسيم المجتمع طبقيا وفق مستوى المعيشة، و الدخل الفردى، لطبقات غنية ومتوسطة وفقيرة، كما لو كانت المشكلة الاجتماعية محصورة فقط فى توزيع الدخل لا فى مصدره، و من ثم يقترحون حلها فى رحمة الأغنياء بالفقراء، إلا أن الحقيقة هى أن الصراع الطبقى هو صراع حول درجة السيطرة على مصادر السلطة المادية، بين من فى مصلحتهم أن تكون حقا للجميع، و بين من فى مصلحتهم أن تظل حكرا للأقلية، هؤلاء الحريصين فى نفس الوقت على حرمان الأغلبية منها، فالانقسام الجوهرى بين البشر ليس قائما بسبب الفوارق بين ما يحصلون عليه من دخل، ولكن بسبب الاختلاف فى مصادر هذا الدخل، وهو ما يحدد مصالحهم الأولية والنهائية التى بسبب تناقضها يشتعل الصراع بينهما.
الوعى الاجتماعى لهذا الفرد أو ذاك أيضا لا يحدد الانتماء الطبقى، حيث أن الوعى الفردى غالبا ما يكون هو وعى الطبقة المهيمنة اجتماعيا فى لحظات الاستقرار الاجتماعى، فالعبيد كأفراد دائما ما يتبنون آراء سادتهم ومواقفهم، و يتطلعون فرديا لأن يحلو محلهم فى موقع السيادة، و ذلك بسبب أن الطبقة المهيمنة اجتماعيا تسيطر على وسائل التعليم والثقافة و الإعلام التى تشكل فى النهاية هذا الوعى، أما الذين لا يسيطرون على تلك الوسائل فلا يملكون التحرر من تأثيرها التضليلى عليهم إلا أثناء التحولات الاجتماعية الكبرى، و ذلك عندما يتمرد المقهورون جماعيا على وضع الخضوع، عندما يكتشفون الخداع التى أغرقتهم فيه تلك الوسائل، و عندما ينزعون غشاوة الأكاذيب عن عيونهم التى ضللتهم بها الطبقات السائدة.
المؤهل الدارسى أيضا هو مجرد إمكانية تعطى من يحوزها الفرصة لممارسة عمل معين دون سواه، سواء أكان هذا العمل يدويا أو ذهنيا، ماهرا أو غير ماهر، مع الأخذ فى الاعتبار أن بعض المؤهلات الدراسية بطبيعتها توفر لبعض الحاصلين عليها، فرص السيطرة على بعض مصادر السلطة المادية دون غيرهم، أو أنها تساعد بعضهم على شغل المراكز الإدارية فى المجتمع والدولة والإنتاج كالعسكريين والقانونيين والاقتصاديين والمهندسين والمعلمين.
طبيعة العمل فيما إذا كان يدويا أو ذهنيا هو تقسيم لا علاقة له بعلاقات الإنتاج، وما تفرزه من طبقات، فلا عمل يدوى دون عمل ذهنى، والعكس صحيح أيضا، فعمل كل من الحمال والخراط و الميكانيكى ومصمم الماكينات والمبانى وحتى علماء الطبيعة، يتضمن نشاطا ذهنيا يستند إلى معلومات سابقة وتخطيط للمستقبل، كما يستلزم بعض العمليات اليدوية من تشغيل الماكينات إلى إجراء التجارب العلمية، كبرت أم صغرت تلك العمليات فى كل حالة على حدة فتزيد عند البعض وتقل عند البعض الآخر، أما العمل البدنى البحت الخالى من الجهد الذهنى فهو عمل الثيران التى تدير السواقى و حيوانات الجر، وأما العمل الذهنى المحض الخالى من كل عمل يدوى، فلا يوجد سوى لدى الفلاسفة والمفكرين، ومن هنا فالمهم فى تحديد الانتماء الطبقى هو العلاقة بمصادر السلطة، السيطرة عليها أو الحرمان من تلك السيطرة، إنتاج الاحتياجات المادية أو الاستيلاء عليها، سواء نتجت تلك الاحتياجات المادية من عمل يدوى أم من عمل ذهنى، و سواء أكان مجال النشاط الإنتاجى هو الصناعة أم الزراعة أم الخدمات.
هناك الكثير من الأفراد الذين يمكن أن تنطبق عليهم كل أو بعض تلك المعايير والمعايير المتناقضة معا فى نفس الوقت أى أنهم مزدوجى بل و متعددى الوضع الطبقى،الذين يطلق عليهم المندمجون و هم لا يمكن تصنيفهم طبقيا بدقة، ويستحوز هؤلاء و أسرهم على نصيب من عوائد التملك من أرباح وفوائد وريع فضلا عن ما يحصلون عليه أيضا من أجور من جراء بيع قوة عملهم، وهذه الظاهرة واسعة الانتشار فى المجتمع،الذى يتمتع الكثير من أفراده بتعددية الأنشطة والأوضاع الطبقية، أو ارتباطهم أسريا بأشخاص ينتمون لأوضاع طبقية متنوعة ومتناقضة، و لا شك أن هذا سبب من أسباب عدم تبلور الطبقات الاجتماعية سواء على مستوى العلاقات الاقتصادية الاجتماعية أو على مستوى التعبير السياسى عن الطبقات الاجتماعية أو على مستوى الوعى الاجتماعى.
يرجع هذا لتصاعد ظاهرتين متناقضتين فى نفس الوقت، ومن هنا تتكون لدينا حالة اندماج بين ضدين ، فهناك بلا شك زيادة مطردة فى معدلات البلترة فى المجتمع بمعنى اعتماد أعداد متزايدة من السكان على بيع قوة عملهم فى سوق العمل مقابل أجر، وفى نفس الوقت فإن هؤلاء البروليتاريون المتزايدون باضطراد تتزايد معدلات برجزتهم فى نفس الوقت أى اعتمادهم على مصادر أخرى للدخل غير العمل المأجور سواء لدى الدولة أو لدى البورجوازيون، ولكن هذه المصادر المتنوعة للدخل لا تصل إلى الحد الذى يجعلهم يتخلوا عن وضعهم كعمال مأجورين، فبجوار هذا الوضع البروليتارى نجدهم يتملكون عقارات سواء مبانى أو آراضى، إما للمضاربة بها أو لتأجيرها لآخرين أو استثمارها أو كنوع من الادخار، يودعون مدخرات فى البنوك ودفاتر التوفير ليحصلوا على فوائد منها، يشتروا أسهم فى البورصة بهدف الاستثمار أو المضاربة، يمارسون التجارة والسمسرة والوساطة المالية، يمارسون حرف أو مهن مختلفة كبورجوازيين صغار أو متوسطين، بجوار عملهم المأجور، يحصلون على رشاوى واكراميات وعمولات و أتاوات بحكم وظائفهم الحكومية، و غالبا ما تكون كل هذه الممارسات فى الاقتصاد غير الرسمى.
تتواجد فى العديد من المجتمعات العديد من علاقات الإنتاج، بعضها ظاهر وقانونى يمكن رصد حجم الداخلين فيها بالإحصائيات الرسمية، ومن ثم تعترف بها الدراسات الجافة التى لا تهتم إلا بكل ما هو شرعى وقانونى فحسب، ومن ثم لا تهتم برسم صورة واقعية دقيقة عن الواقع الاجتماعى، وتتغاضى عن هذه العلاقات لأنه لا يمكن رصد حجمها بدقه نظرا لعدم شرعيتها وسريتها غالبا ولذلك لا يتم تناولها بحثيا، إلا أننا على العكس نعتبر آلية الاستغلال عبر استخدام السلطة أو عبر استخدام العنف معنويا كان أم بدنيا أو بمجرد التهديد بأحدهما، وليس عبر ملكية وسائل الإنتاج فقط تشكل علاقة إنتاج من هذا النوع، ولو تغاضينا عن هذا فأننا سنتغاضى عن حقيقة موضوعية هى أن استغلال السلطة واستخدام العنف المادى والمعنوى، والفساد الإدارى والجرائم الاقتصادية وغير الاقتصادية، سواء التى تمارسها البيروقراطية أو يقترفها موظفوا الحكومة أو يرتكبها الخارجون عن القانون عبر الجريمة المنظمة أو غير المنظمة، تشكل أدوات هامة لاستغلال عمل الآخرين، وتحقيق التراكم الأولى لرأسالمال، والدفع به لاستثمارات فى السوق، و من ثم تعتبر تلك الآليات أداة من أدوات الحراك الاجتماعى فيما بين الطبقات المختلفة، فضلا عن أنها آليات أيضا لتحقيق التراكم الأولى لرأسالمال، ثم غسل ما تراكم من أموال بالاستثمار الرأسمالى المشروع، و هذه الآليات تشكل مصدر هام من مصادر الدخل غير الرسمى التى تحدد موقع من يمارسها من العلاقات والصراعات الاجتماعية المختلفة، و تحدد مواقفه منها، ولنا أن نتأمل فقط حجم تجارة المخدرات والآثار والسلاح والجنس التى تدر المليارات على من يمارسوها، أو حجم الرشاوى والعمولات والاختلاسات التى يجنيها بيرقراطيوا وموظفوا الحكومة.
نشأ استغلال الإنسان للإنسان من طبيعة السلطة المنفصلة عن إرادة البشر الخاضعين لها، و التى يمارسها الإنسان المتسلط على الإنسان المتسلط عليه، ذلك لأن كل سلطة هى مفسدة، و كل سلطة مطلقة هى فساد مطلق، فالسلطة فى حد ذاتها تمنح الفرصة للإنسان المتسلط لأن يمارس استغلاله للإنسان المتسلط عليه، كما نلاحظ أن كل من الأديان وفلسفات الحياة وحكمة القناعة و التصوف والزهد، فشلت فى ان تكبح استغلال الإنسان للإنسان مع الحفاظ على تلك السلطة المنفصلة عن إرادة البشر فى نفس الوقت، كما لم ينجح العقاب الدنيوى مهما بلغ من قسوة فى ردع التنافس الوحشى بين البشر على مصادر السلطة المادية التى تمنح السلطة لمن يملكها على المحروم منها، و هى وسائل كل من الإنتاج والعنف والمعرفة، ولم يستطع كل هذا التحذير بالعقاب الأخروى من التخفيف من تجليات ذلك الصراع بين البشر، أما عن الأوهام الخيالية والتى تخدرنا لكى لا نناضل من أجل التحرر من الاستغلال، والتى تفترض فى المتسلطين حسن الأخلاق أو تناشدهم الرحمة بالواقعين تحت تسلطهم، أو تشترط فيهم القداسة عند توليهم السلطة، فلم تكن أقل فشلا، فالقضاء على الاستغلال لا يمكن أن يتحقق إلا فى إلغاء أساسه المادى، و هو السلطة المنفصلة عن إرادة البشر وحريتهم، فلن يتم إنهاء العلاقات الاستغلالية بين البشر، بالوعظ أو بالقمع، و أوهام المستبد العادل، و انتظار تحلى البشر بالحكمة وحسن الخلق، والحكمة تقتضى أن عليك أن تقضى على الجرثومة المسببة للمرض بدلا من مجرد تخفيف الأعراض الناتجة عنها.
وسائل الإنتاج كلها من عقارات وآلات وأدوات و أموال، ما هى إلا نتاج و محصلة تراكم هائل من العمل البشرى الذهنى و اليدوى لبلايين البشر عبر عشرات آلاف من السنين، وبعبارة أخرى وسائل الإنتاج هى عمل ميت، تمييزا لها عن العمل الحى أو قوة العمل البشرى، إلا أن الطبقات المهيمنة على مصادر السلطة المادية فى علاقات الإنتاج الطبقية، تسيطر على وسائل الإنتاج، أو هذا العمل الميت لنفسها سواء بامتلاكه أو بإدارته، و تحرم الطبقة المقهورة فى نفس الوقت من السيطرة علي تلك الوسائل، وبناء على ذلك تسيطر تلك الطبقة المهيمنة على الطبقة المقهورة، والتى تضم كل هؤلاء الذين يبذلون قوة العمل الحية سواء أكانوا عمالا أو عبيدا أو أقنان، لإنتاج المزيد من تلك الثروات سواء أكانت للإنتاج أو للاستهلاك، بعد أن تجرد كل هؤلاء من السيطرة عليها، و بهذا تستولى الطبقات المتسلطة فى النهاية على الفائض من الثروة الاجتماعية، ذلك الذى ينتجه العاملون بقوة عملهم، بحكم تسلط تلك الطبقة عليهم، هذا هو جوهر الاستغلال فى كل علاقات الإنتاج الطبقية، و الذى يأخذ أشكالا مختلفة من علاقة إنتاج استغلالية لعلاقة أخرى.
السلطة بطبيعتها تمنع الإنسان المتسلط عليه من الفرار من واقع هذا الاستغلال، فهى تشده إليها بحسم ليخضع لها بشتى الوسائل، بالحاجة إليها أو بالخوف منها أو بما تطرحه من أوهام. فالمحروم من الطعام والمحتاج إليه للاستمرار فى الحياة، مضطر للرضوخ لشروط من يملك الطعام، ذلك القادر على تلبية احتياجه الحيوى، و من موقع ملكية الطعام يستطيع مالكه أن يحقق مصالحه على حساب هذا المحروم منه، والمالك للطعام قد يقبل ببعض التنازلات عن طعامه دون مقابل أحيانا للطرف المحروم من الطعام، و التى تبدو للبعض أنها صورة من صور رحمة المالك بالمحرومين، أو تبدو للبعض الآخر أنها قدرة المحروم من الطعام على فرض كامل شروطه على من يملكها، إلا أن هذه التنازلات ومهما تضخمت لن تقضى على قدرة مالك الطعام على فرض الشروط التى تحقق مصالحه فى استغلال الطرف المحروم من الطعام، والمسألة لن تتجاوز سوى التقليل من الاستغلال فحسب لا القضاء عليه.