السبت، 25 يونيو 2011

دور الأناركيين فى الثورة المصرية وإعادة إنتاج فشلهم التاريخى

دور الأناركيين فى الثورة المصرية وإعادة إنتاج فشلهم التاريخى

سامح سعيد عبود

"فعلوها الفوضويون"! يقصد الأناركيون هذا ما حدثنى به أحد قيادات الماركسيين من جيل السبعينات فى مصر حين قابلنى أثناء الاعتصام فى التحرير، ويمكنا أن نأخذ هذا الحديث على ثلاثة أوجه كالتالى

الوجه الأول أن ثورة 25 يناير المصرية كانت نموذج أناركى للثورة، أى ثورة بلا قيادات ولا زعامات وبلا أحزاب سياسية، بل كانت نتيجة استخدام وسائل فى الحشد والتنظيم والتعبئة تتجاوز تلك الوسائل العتيقة التى عرفتها بعض الثورات السابقة، وهذا لا ينفى المحاولات المستمرة، من الساسة المحترفين وأحزابهم بدءا من هؤلاء الذين لم يشاركوا فيها من البداية بل وحتى من وقفوا أمام شرارة الثورة الأولى مستهزءين بها، أو كانوا محايدين إزاءها، أن يقفزوا على موجة الثورة و رقاب الثوار، فارضين زعامتهم وقيادة تنظيماتهم ورؤاهم عليهم، وامتلئت شاشات الفضائيات بأمثال هؤلاء، مصورين أنفسهم كزعماء للثورة وقادتها ومنظميها وملهميها. ومن هنا سوف تنتهى الثورة إلى تجسيد أحد مشاريع هؤلاء سواء الدولة الإسلامية أو الدولة الديمقراطية الليبرالية أو الدولة الاشتراكية سواء على الطراز الناصرى أو السوفيتى أو الاشتراكى الديمقراطى، أو أى مشروع سلطوى آخر يحقق حدود دنيا من مطالب الثورة الأساسية، و لا يحقق الحد الأقصى الممكن من مطالبها فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كما يسعى إلى ذلك الأناركيون دون جدوى.

الوجه الثانى هو تحقيق اعتصام التحرير على مدى ثمانية عشر يوما نموذجا ناجحا لمجتمع أناركى لاسلطوى بلا قيادات ولا تنظيم قسرى أو هرمى، بل نجح المعتصمون فى تحقيق أهدافهم عبر عملهم التطوعى المشترك وتعاونهم وتضامنهم، ووفروا لأنفسهم الأمن والطعام والمأوى بعيدا عن الدولة والبقرطة، وقد لمس المعتصمون حالة من السعادة أصبحوا يحنون إليها الآن بعد زوالها، وطالب بعضهم بالعودة لأخلاقيات وسلوكيات اعتصام التحرير التى زالت بمجرد زوال شروطها، وهى غياب السلطة الهرمية المتعالية على البشر، فتلك النوعية من السلطة تفسد الناس وتصيبهم بأمراض العقل والنفس، سواء أكانوا متسلطين فتصيبهم بالسادية أو متسلط عليهم فتصيبهم بالمازوخية، ولأن الثورة هى التمرد على وضع الخضوع وعلاقات التسلط، فأنها تفجر أفضل ما فى البشر ليعودوا أصحاء، وهذا ما لمسناه جميعا فى اعتصام التحرير، و لكن ما إن تعود علاقات السلطة مرة أخرى، ويعود الناس لوضع الخضوع، حتى تظهر مجددا عند قطبى المتسلطين والمتسلط عليهم أعراض أمراضهم السابقة

الوجه الثالث الذى شكل مفاجأة سارة لى هو استمرار اكتشافى عبر الخمس شهور الماضية لأعداد متزايدة من الأناركيين فى مصر، لم اتعرف عليهم من قبل، مبعثرين عبر محافظتها المختلفة، ومنتمين لاتجاهاتها المتنوعة، يعملون بشكل جماعات صغيرة أو كأفراد، هم دائما فى فعاليات الثورة و تنظيماتها المختلفة، كمجرد أفراد مشاركين، ولكنهم غير متمايزين عن باقى من فى الحشود، و هم غالبا ما لا يعلنون عن أنفسهم، ولا يفصحون عن انتمائهم الفكرى والسياسى على نحو صريح، ليست لهم مطبوعات ورقية، أو رموز معلنة غير أن مجموعة صغيرة منهم رفعت العلم الأناركى فى عيد العمال بميدان التحرير، ذلك لأن الأناركيين فى الممارسة عالميا ينقسمون لاتجاهين فهناك من يفضلون العمل الدعائى فى مجموعات منظمة، تشكل اتحادات محلية واقليمية وعالمية فيما بينها، أو يفضلون التأثير الفردى بالانخراط فى الأعمال الاحتجاجية أو المنظمات الاجتماعية كالنقابات العمالية والمهنية واللجان الشعبية والتعاونيات وغيرها أى ملاحين غير مرئيين للسفينة الثورية، وينقسم الأناركيون فى مصر إلى من ينتمون إلى جيل أكبر سنا، وهم غالبا مروا فى أحدى فترات حياتهم بانتماء ماركسى فكريا وحزبيا، وترى بعضهم يفصح عن تحوله الفكرى، والبعض الآخر لا يفصح عن انتماءه، فضلا عن القريبين من الأناركية فكريا وعمليا والمتأثرين بها من اليسار الراديكالى، غير أن هناك جيل أصغر غالبا فى العشرينات من عمره، لم يتكون فى منظمات ما، ولم يتبنى أيديولوجيات سابقة، عبر عمليات تجنيد وتثقيف أيديولوجى ، ولكنهم ونظرا لإجادتهم كل من الإنجليزية والتعامل مع الأنترنت، تأثروا بتلك الرؤية للعالم، وهؤلاء تتكاثر مدوناتهم و تتنوع صفحاتهم على الفيس بوك، وأحد أكثر صفحاتهم شهرة هى الأناركية المصرية التى بلغ اصدقاءها ما يقرب من 400.

تجد فى كل هؤلاء تنوعات بتنوعات من يطلقون على أنفسهم أناركيين فى العالم، فهناك قلة ينتمون لما يسمى باليمين الأناركى وهم رأسماليون ليبراليون متطرفون لا أكثر،وهناك طبعا الفرديون، وهناك من يتخذون الأناركية نوع من الموضة التى تبرر تمردهم الفردى وتحللهم الاجتماعى لا أكثر ،وهناك من لايعنيهم التغيير الثورى للعالم بقدر ما يعنيهم تحرير أنفسهم والمجموعات الصغيرة التى ينتمون إليها داخل المجتمع القائم، وكل هؤلاء لا يعنونا فى هذا المقال بالطبع، أما من يعنوننا فهم المنتمين لليسار الأناركى الثورى باتجاهاتهم العملية المختلفة المجالسية والتعاونية والنقابية. ومن ناحية ثانية تتفاوت مستويات الثقافة والوعى والفهم بين هؤلاء، ومن ناحية ثالثة يتفاوتون فى مدى نضاليتهم والتزامهم وفى مدى عمليتهم وفعاليتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية والثقافية.

ومن هنا فليس معنى تلك الكثرة العددية أن هؤلاء مؤثرين فى تطور العملية الثورية فى مصر بما يتوافق وحجم انتشارهم لأنهم غالبا أفراد بلا تنظيم، فعاليتهم فعالية جنود فى الحشود، يحصد نتاج نضالهم و تضحياتهم الجنرالات من الساسة المنظمين، أى أنهم يوظفوا أنفسهم وبإرادتهم لصالح إعادة إنتاج مجتمع سلطوى على عكس أهدافهم، ويعيدون إنتاج فشلهم التاريخى المتكرر، فى كوميونة باريس والثورة الروسية والحرب الأهلية الأسبانية والموجة الثورية العالمية فى مايو 68 وأخيرا حركتى مناهضة العولمة والحرب واللتان انتهيتا إلى الفشل، و الحقيقة أنه فى كل تلك الأحداث التاريخية كان الأناركيون يتواجدون بقوة ولكن بلا تأثير فى النتائج النهائية.

فى حوار جمع بين مجموعة من الأناركيين المصريين وأحد الرفاق الأناركيين من شيلى نقل لهم خبرته من تطورات الوضع فى أمريكا اللاتينية، أن نفس المشكلة تتكرر فى كل موجة ثورية، نضال عاتى وحضور مكثف فى الفعاليات والاحتجاجات الثورية، ولكن الثمار غالبا ما تقع فى أيدى سلطويين مختلفين، وهذا يشير بوضوح لخطأ لابد من تداركه، حتى نتوقف عن إعادة إنتاج الفشل.

تدارك الخطأ يكمن فى انتظام الأناركيين فى منظمات للدعاية والحشد والتعبئة والتنظيم،مختلفة تماما عن التنظيم اللينينى بأسسه المعروفة التى سببت الكوارث التاريخية

راجع بهذا الصدد الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237579

كما يجب أن تكون هناك رؤية برنامجية للتغيير الاجتماعى وفق الممكن والمتاح باعتبار أن الهدف النهائى أبدى لكن الأهداف المرحلية تجاهه ممكنة، لكى يتم النضال لتحقيقها وفق الظروف الواقعية وهناك محاولةبهذا الشأن

راجع برنامج التيار اللاسلطوى

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=193608

ستالينى وأفتخر !!! و لا سلطوى وإن أنكرتم !!!

ستالينى وأفتخر !!! و لا سلطوى وإن أنكرتم !!!

سامح سعيد عبود

فى نهاية الثمانينات من القرن الماضى بدأت رحلتى فى التمرد الفكرى على اللينينية، بما يعنيه ذلك منطقيا من الخروج عن كل ما تفرع عنها من مدارس فرعية أخرى كالتروتسكية والستالينية والماوية وغيرها، وبكل ما يعنيه ذلك بديهيا، من رفضى لاشتراكية الدولة، والحزب الطليعى، والمركزية الديمقراطية، وديكتاتورية البروليتاريا، وفكرة الدولة نفسها، وما تمثله من سلطة متعالية على البشر، ومنفصلة عن إرادتهم الحرة المشتركة، وإدانتى لكل ما تمخضت عنه هذه الأفكار اللينينية عمليا من إنتاج نموذج الدولة الشمولية البيروقراطية البوليسية، المعروف فى القرن العشرين، و بكل ما أدت إليه اللينينية من ارتكاب جرائم شوهت نبل الفكرة الاشتراكية، وبكل ما أدت إليه من نموذج فى التنظيم السياسى مزج النظام الكهنوتي الديني والعسكرى، مع الفكرة الثورية التحررية، خالقا حالة من الفصام بين الهدف المعلن، والممارسة العملية، و هو ما سحق حرية الأفراد والأعضاء العاديين فى تلك الأحزاب، والشعوب التى حكمتها، وأخل بالمساواة بينهم، و رفضى اللينينية بكل ما تعنيه من ظواهر تأليه الرموز والأشخاص والنصوص، وعبادة الزعامة والقيادة والسلطة، وقد تجسد هذا الخروج بإنتاج العديد من المقالات التى عبرت فيها عن أفكارى الجديدة، ومع منتصف التسعينات أصبحت اشتراكيا تحرريا، وهو ما جعلنى أعلن انتمائى للأناركية على أساس أن الاشتراكية التحررية هى التيار الرئيسى فيها، وقد ترجمت الأناركية إلى اللاسلطوية، بدلا من ترجمتها الشائعة الفوضوية بكل ما تحمله الكلمة من التباس.

ولأن هذا الخروج والتمرد استند على نقد موضوعى للأفكار السائدة، وتأمل نقدى للواقع الملموس، فإنه لم ينسحب على إيجابيات أخرى فى التراث الإنسانى عموما، والتراث الماركسى خصوصا، ولا شك أنى ما زلت متمسكا بهذه الايجابيات، برغم أن هناك تيارت أناركية عديدة تنكرها نتيجة فهمها الخاص للأناركية التى أصبحت للأسف مظلة تضم أطياف متناقضة ومتصارعة من البشر، يحملون جميعا نفس اللافتة، ويتجادلون عن من منهم أحق بحملها، فهناك أناركيون رأسماليون، و أناركيون فرديون، و أناركيون بدائيون، و أناركيون عدميون، و أناركيون بوهيميون، وهلمجرا من الصرعات التى تظهر على سطح الحياة السياسية والاجتماعية، وتختفى باسم الأناركية، مثل البلاك بلوك، و الهوليغانز، والآلتراس، والسكينهيد، وفرق البنك وغيرهم، والذين يطلقون على أنفسهم أناركيين، ويتهمون المنظمات الأناركية (الاشتراكية التحررية) بالسلطوية، وهؤلاء جميعا لاعلاقة لهم بالاشتراكيين التحرريين كتيار ثورى، و هم يصفون أنفسهم بالأناركية أيضا للأسف ليتحملوا أوزار الأناركيين الآخرين، فهم يعنيهم فعلا تغيير العالم لا مجرد الرغبة فى التمرد الفردى العدمى، والتحلل من القيود الاجتماعية التى تقيد حريتهم الشخصية، فالاشتراكيون التحرريون يعنيهم الممارسات النضالية ضد السلطة لإجبارها على تحقيق مطالب أو من أجل إزالتها، وبكل ما يترتب على ذلك من آثار والتزامات، و لايعنيهم الممارسات الاحتفالية والاستعراضية التى ظاهرها التمرد ضد السلطة، وباطنها دعم استمرار السلطة، سواء فردية كانت أو جماعية، و التى هى جزء لا يتجزأ من الثقافة البرجوازية الاستهلاكية.

والملفت للنظر أنى طوال هذه السنوات تم اتهامى سواء من يساريين سلطويين أو ديمقراطيين أو أناركيين بأنى ستالينى فى الحقيقة، و أنه لا يمكن أن أكون أناركيا، و لا شك أن هذه الاتهامات والانكارات نتيجة إما عدم فهم لمعنى الأناركية كما افهمه أو بسبب أنها كلمة تعبر عن اتجاهات متناقضة يتوقف معناها على ما يقصده المتحدث من ذكرها، وبسبب ربطهم عموما الأناركية بالفوضوية بكل ما تحمله الكلمة من معانى عدم الالتزام، ورفض كل أشكال التنظيم والنظام، باعتبار أن أى شكل للتنظيم هو ستالينية، وأن أى انضباط سلوكى وأخلاقى هو ستالينية، وكأنى بهم يمدحون الرجل ومنهجه، وهو ما لا يستحقه.

جوهر الاتهام والإنكار يكمن فى أنى رغم أناركيتى عموما أؤمن بحقيقة أننا نحيا فى عالم مادى تحكمه قوى مادية، وأن المثل والأفكار لا تؤثر فيه أدنى تأثير، و لأن البرجوازية فى عالمنا الواقعى تستند فى تسلطها على سيطرتها على مؤسسات الإنتاج والثروات ومؤسسات العنف المسلح وغير المسلح، و مؤسسات خلق الوعى الاجتماعى، وكلها مؤسسات منظمة تستمد قوتها من هذا النظام تحديدا فإنه لا خلاص من تسلطها إلا عندما تمتلك البروليتاريا المجردة من تلك الوسائل قوة مادية أخرى أشد بأسا، هذه القوى تكمن ببساطة فى تنظيمات البروليتاريا، وتحررها من تأثير مؤسسات خلق الوعى الاجتماعى التى تجعلهم يتماهون مع وعى سادتهم طول الوقت، وإن كانوا يتحررون منه فى لحظات استثنائية نادرة.

هذه العملية التى تكسب البروليتاريا قواها المادية، لابد وأن تساعد فى إنشائها تنظيمات ثورية، مكونة من مناضلين استطاعوا التحرر من الوعى السائد، واختاروا لأنفسهم دور محدد فى مقاومة تأثير آلة الوعى البرجوازية، والمساعدة فى انتظام البروليتاريا فى منظماتها المختلفة كالتعاونيات والنقابات.

و لا شك أن للتنظيم الاجتماعى شروطه ، والممارسة النضالية قواعدها، وإن أى علاقة اجتماعية من أى نوع تقيد حريتك فعلا، لأنك لابد وأن تلتزم بقواعدها، والعمل العام يفرض على من يمارسه التزامات وقيود، و على من يشعر بحساسية شديدة ترفض تقييد حريته الشخصية فعليه التخلى عن العمل العام، و بناء على هذا المنطق، اعطيت لنفسى دائما الحق فى نقد سلوكيات تتناقض وتلك الشروط والقواعد، والتحفظ عليها، واعتبارها سببا فى قطع العلاقة التنظيمية، فالإنسان الذى لا ينضبط فى مواعيده يعتدى على حرية ووقت الذين ينتظرونه دائما،ـ ولن يستمتع الطرفين بحريتهما فى استخدام وقتهما طالما كان أحدهما غير منضبط فى الحضور فى موعده، بلا شك أن الطرف غير المنضبط حر، لكن على الطرف الآخر أن يقطع علاقته به، لو تضرر من عدم الانضباط، طبعا هناك سوء فهم سوف يدافع عن عدم الانضباط بحجة الحرية الشخصية، وهو فهم يدافع عن طغيان المنفلتين والمتحللين وغير المنضبطين على الآخرين والإضرار بهم باسم الحرية، وقس على هذا المثا

التمييزية البرجوازية ضد العمال وفيما بينهم

التمييزية البرجوازية ضد العمال وفيما بينهم

سامح سعيد عبود

يقولون أن الأقل سوادا فى الولايات المتحدة يتعالون على الأشد سوادا، ويحملون إزاءهم مشاعر كراهية عنصرية، ويمارسون ضدهم تمييزا عنصريا، وربما يكون هذا عين ما يفعله الأشد سوادا ضدهم أيضا، ويبدو أن الأولون هم أحفاد عبيد المنزل الذين كانوا الأكثر ولاءا لسادتهم، والأكثر اختلاطا بهم، والأشد رفضا لفكرة تحررهم من ذل الرق حتى من سادتهم، أما الآخرون فهم أحفاد عبيد المزرعة الذين كانوا الأكثر تمردا على سادتهم، والأقل اختلاطا بهم، والأشد شوقا ليتحرروا من عبوديتهم.

أتذكر هذا لأن الغالبية الساحقة من السكان لدينا هم من الأجراء الذين لا يملكون سوى قوت يومهم، ومضطرون لبيع حريتهم وجهدهم ووقتهم بأجر، أى أنهم فى النهاية عبيدا لمن يشتريهم سواء أكانوا متميزين للمنزل، أو غير متميزين للمزرعة، أما ملاك وسائل الإنتاج، ومن يملكون سلطة اتخاذ القرار ، فهم قلة من السكان، و بالرغم من ذلك تتعالى أصوات عبيد المنزل من الأجراء الموالين لسادتهم، والمتماهين معهم، والمختلطين بهم، والمستنكرين لانتمائهم الطبقى، ضد الاعتصامات والاضرابات العمالية، والذين يصرخون مع سادتهم فى عمال المزرعة، ليطلبوا منهم وقف تلك الاضرابات والاعتصامات لكيلا ينهار الاقتصاد، محذرين أنه لا وقت لتلك المطالبات الاقتصادية التى يصمونها بالفئوية، والتى يصفونها بالخادشة لجلال ثورة 25 يناير حسبما ما ذكرت صحفية كبيرة هى سكينة فؤاد على شاشة التليفزيون بطريقتها المتكلفة فى الحديث، ولعلك لاحظت نبرة التعالى التمييزى الطبقى الذى لا يريد أن يلوث نشيد الثورة الناصع بأصوات الرعاع القذرة، نفس النبرة التمييزية المتعالية تلاحظها حين يستنكر فنيون وحرفيون ومهنيون يعملون بأجر فى المصانع وصفهم بالعمال وكأنها لفظة نابية.

أتذكر هذه النزعة التمييزية الطبقية، حين تتعالى الأصوات من عمال المنزل كصدى لصوت سادتهم بالغاء نسبة الخمسين بالمئة المخصصة للعمال والفلاحين، استنادا على الجهل الطبيعى للعمال، وعدم صلاحيتهم لتشريع القوانين، ولا للرقابة على أعمال الحكومة، وليس استنادا على أن هذا التمثيل لم يكن يوما تمثيلا حقيقيا للعمال والفلاحيين، لأن العمال والفلاحيين الفقراء على اختلاف مستويات تحصيلهم الدراسى والتعليمى، لا يملكون عمليا القدرة على الترشيح لعضوية المجالس النيابية لفقرهم لا لجهلهم، فى حين أن البرجوازيون على اختلاف مستويات تحصيلهم الدراسى والتعليمى، ليسوا فقط قادرين على الترشح والفوز بمقاعد الوظائف العامة، بل شراء ولاء من يشغلونها، لثراءهم لا علمهم.

نفس النظرة التمييزية البرجوازية المعادية للعمال هى التى أدت إلى إعدام مصطفى خميس ومحمد البقرى فى أغسطس 1952 لقيادتهم اضراب سلمى لعمال غزل كفر الدوار، وتساهلت مع تمرد مسلح قاده عدلى لملوم وهو من كبار ملاك الأراضى فى الصعيد فى نفس العام احتجاجا على قانون الإصلاح الزراعى.

أتذكر هذه النظرة التمييزية الطبقية حين يلح البعض على تفعيل قوانين تجريم الاضرابات والاعتصام والتظاهر، وفى نفس الوقت يكتب احمد المسلمانى أحد الصحفيين، إن تحويل رجال الأعمال للنائب العام للتحقيق فى عقب الثورة سوف يضر بحركة الاستثمار، ومن ثم لابد من التغاضى عن جرائمهم حرصا على دوران عجلة الإنتاج، حتى لا تتحول بلادنا للشيوعية، الأمر الذى لم تتوان في تلبيته حكومة الثورة على الفور، فبحثت فى شأن اسقاط الشق الجنائى فى صفقات تخصيص أراضى الدولة لهم، بحجة أنهم ليسوا مسئولين عن فساد الجهاز الإدارى للدولة الذى منحهم تلك الأراضى برخص التراب، وكأنهم لم يكونوا يعلمون أنهم شركاء فى الجريمة، و كأن الراشون ليسوا شركاء للمرتشيين، بل واتجهت حكومة الثورة ليس فقط لتفعيل قانون تجريم الاعتصامات والاضرابات، بل تراجعت عن زيادة الضرائب على الأرباح الرأسمالية، وتراجعت عن الضريبة التصاعدية التى لم تزد عن خمسة بالمئة فى القانون الذى تم التراجع عنه وفقا لرقم الأعمال لا الأرباح، وفى نفس الوقت، طرحت حكومة الثورة قانون للحد الأدنى للأجور يقل عن ما قرره الحكم القضائى بهذا الخصوص، برغم أن من سوف يستفيد منه هم موظفى وعمال الحكومة فحسب، أما فيما يتعلق بالمقترحات المتعلقة بالفرق بين الحدين الأدنى والأقصى للأجور فقد تجاوزت 28 ومن ثم هى تفوق المعدلات السائدة فى العالم حسبما ذكر د. حازم الببلاوى الليبرالى الاتجاه فى حديث تليفزيونى له والذى أشار فيه أنها تتراوح ما بين 18 و25 .

فليعلم الجميع أن ما قلب موازين القوى فى هذه الثورة وحقق أولى أهدافها ليس اعتصام التحرير الذى شارك فيه ممثلون لكل الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية، بل هو دخول الطبقة العاملة المنظمة باعتبارها طبقة فيما يشبه عصيان مدنى شامل فى الثلاث أيام التى سبقت تنحى السلطان المملوكى المخلوع حسنى مبارك، وأنه لن يتاح لهذه الثورة الاكتمال لتحقيق أهدافها باسقاط النظام المملوكى، والتخلص من كل المماليك الذين يحكمونا ويسرقونا، إلا باستمرار هذا التدخل الثورى الطبقى للعمال، فالقوة الاجتماعية المرتبطة بالإنتاج هى القادرة فقط على إحداث التحول الاجتماعى، والعمال، ولأنهم يعلمون أنهم مستبعدون منطقيا وعمليا من ديمقراطية الصناديق الانتخابية، فأنها لا تعنيهم و لا تشكل منتهى مطالبهم، أنهم يطالبون بالعدالة الاجتماعية، وبانهاء التمييز السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى ضدهم.وإلا فانتظروا ثورتهم القادمة التى لن تبقى على البرجوازية التى تضطهدها و لا على عبيد المنزل من خدامها.