الأحد، 10 يونيو 2012

التعاون الاسكانى والحق فى السكن


التعاون الاسكانى والحق فى السكن

 

سامح سعيد عبود

الاسكان التعاونى فى مصر هو أبعد أشكال التعاون عن القيم والمبادىء التعاونية وهو الأقرب للرأسمالية والدولة وبيروقراطيتها من القطاعات التعاونية الأخرى من زوايا عديدة،هى:

الجمعيات التعاونية الاسكانية، فى الحقيقة هى مجرد شركات رأسمالية تستفيد من الإعفاءات الضريبية والجمركية، والدعم الحكومى، على عكس الشركات العقارية التجارية، ومن ثم تتضاعف مكاسب أعضائها، مقارنة بأصحاب الشركات الرأسمالية.

ينتج التعاون الإسكانى سلعه العقارية المختلفة، أرضى، شقق، فيلات، محلات، باستخدام العمل المأجور المتمثل فى عمال البناء والتشييد، العاملون غالبا فى شركات مقاولات مملوكة للرأسماليين، أو لدى مقاولين أفراد، ومن ثم لا تلتزم تلك الجمعيات بمبدأ الاستقلالية عن الرأسمالية والدولة، و الموقف التعاونى الصحيح أن لا تتعامل جمعيات الاسكان التعاونية إلا مع جمعيات تعاونية إنتاجية للبناء والتشييد،أو جمعيات تعاونية لليد العاملة من عمال البناء والتشييد، وإن لم يكن هذا متاحا لها فعليها أن تساعد فى إنشاء تلك الجمعيات، أولا عبر الإتحاد الإسكانى التعاونى قبل أن تبدأ فى ممارسة نشاطها، أو تتحول هى لجمعيات تعاونية إنتاجية للبناء والتشييد.

تبيع الجمعيات التعاونية الإسكانية  هذه السلع العقارية ، أحيانا للأفراد بأسعار السوق الرأسمالى، أو تشتريها منها الدولة، بأسعار الجملة، لتبيعها بنفسها بأسعار مدعمة للمستهلكين، عبر الهيئة العامة للتعاونيات، وهى هيئة حكومية، وبأقساط طويلة الأجل يتم سدادها وفق نظام للقرض التعاونى.

من النقطة السابقة تحديدا، تتحول العقارات التعاونية المباعه، لسلع يتم المضاربة عليها من قبل المشترين الذين يشترون الوحدات، ويتركونها بدون استخدام لفترات متفاوتة، فترتفع أسعارها، ويبيعونها ، أو يؤجرونها، وفق أسعار السوق الرأسمالى، وتتحول أحيانا لنوع من أنواع الإدخار، المحجوز من التداول والاستفادة منه لسنوات طويلة، ونتيجة لذلك أصبح لدينا 6 مليون وحدة عقارية بنسبة 20% من إجمالى عدد الوحدات، مغلقة و معدة للمضاربة و الادخار،  و تشكل الوحدات التعاونية الأصل نسبة كبيرة منها، بسبب رخص أسعار شراءها، والمكاسب الهائلة من المضاربة عليها، بمقارنتها بأسعار الوحدات الرأسمالية.

الوضع السابق مطابق تماما لما يحدث فى الوحدات السكنية المدعمة التى تنشئها الدولة لمحدودى الدخل، والتى يتم تمليكها لهم فور الشراء أو بعد فترة من سداد الأقساط، لكن حجز الوحدات وشراءها، والاستثمار فيها بالبيع أوالتأجير، نشاط استثمارى هائل، معفى من الضرائب، وأداة هامة لغسيل الأموال، و هو ينتمى للاقتصاد غير الرسمى.

نتيجة عشوائية الاستثمار الرأسمالى المضارب الصغير، ونتيجة كل من الثقافة الفردية  التى لا تحترم مفهوم الملكية العامة، والتسيب والفساد الحكومى، يتم تشويه العقارات بأعمال فردية تغير من طبيعة استخدامها، وتعتدى على حقوق الملكية العامة ،مما يشوه من مظهرها الحضارى والصحى، ليحولها فى بعض الأحوال لعشوائيات.

الحل الأمثل لوقف هذه النتائج، هو التوقف تماما عن فكرة بيع الوحدات العقارية، على أن يتم تأجيرها للمستأجرين الذين ينتفعون من استخدامها فعليا، بعقود طويلة الأمد لمدد من أربعين إلى ستين عام، ومنعهم من تأجيرها من الباطن.

بعيدا عن هذا الشكل التعاونى الزائف والمشوه، يمكن للفكرة التعاونية ومع الإلتزام بمبادئها وقيمها، أن تحل مشكلة السكن لمحدودى الدخل، بعيدا عن الدولة والبقرطة والرسملة، إذ يمكن لمجموعة من الأفراد والأسر، أن ينتجوا لأنفسهم وحداتهم العقارية ، وبهدف استخدامها الفعلى لسكنهم بعيدا عن فكرة الاستثمار سواء بالبيع أو التأجير.

و يمكن أن يستفيدوا من نموذج الإسكان الفندقى، الذى أصبحت تفضله قطاعات كبيرة من الطبقة البرجوازية العليا، لكن بدلا من الشقق الفندقية الفاخرة، يمكن أن يبنى محدودوا الدخل  ما هو أرخص وأقل رفاهية، وهذا يعنى أن يتم تصميم العقار بحيث يوفر غرف وأجنحة بملحقاتها التى توفر الخصوصية للأفراد و للأسر وفق عدد أفرادها، على أن تكون كثير من الخدمات مشتركة فى العقار كالمطابخ والمغاسل والمطاعم وغيرها من الخدمات،على أن يتفق أعضاء التعاونية على تقسيم العمل المشترك فيما بينهم لتوفير وتلبية تلك الخدمات، وهذا سوف يحقق وفر هائل لهم فى نفقات تجهيز المساكن فلن يحتاج كل منهم لتجهيز مطابخ خاصة بكل ما تحتاجه من أجهزة كهربائية ومواقد و أدوات للطعام، وذلك على سبيل المثال، كما أنه يمكنهم توفير احتياجتهم الاستهلاكية المختلفة وفق التعاون الاستهلاكى، وهذا يمكن أن يخفض  للغاية من نفقات المعيشة بالنسبة لهم، وذلك بشراءها من المنتجين المباشرين بسعر الجملة، بل وإنتاج بعض هذه الاحتياجات الاستهلاكية جماعيا خصوصا فيما يتعلق بالغذاء، وبالطبع لو كان مكان البناء بعيدا عن المدن حيث الأرض أرخص يمكن أن يضاف للعقار مزرعة صغيرة لتوفير الاحتياجات الغذائية لملاك التعاونية.

التعاون فى النهاية هو الحل لتوفير الحق فى السكن الصحى والملائم، ومن المؤكد أنه لا الدولة و لا بيروقراطيتها الفاسدة والطفيلية، و لا الرأسمالية باستغلالها للعمال والمستهلكين، يمكن أن يقدما حلولا لمحدودى الدخل طالما كان منطق الربح والسيطرة هو منطقهما،المشكلة الحقيقية التى تعوق تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع، هى فى العقليات المحافظة، والثقافة الفردية السائدة.

العائق ليس فى التمويل، حيث يمكن توفير أرض رخيصة، والبناء بمواد رخيصة وفق التصميمات الهندسية التى صممها المهندس المعمارى حسن فتحى لقرية القرنة، بالحجر الجيرى، وبدون استخدام الخرسانة المسلحة، و الذى مات دون أن يسمع أحد كلامه، كعادتنا شعبا وحكومة مع كل مبدع ومفكر، ومختلف عن القطيع، واعتباره مجنونا، فكانت النتيجة أن تحولت مساكننا ومدننا وقرانا لغابات من الأسمنت والطوب الأحمر الذى استهلكنا بسببه التربة الزراعية المحدودة أصلا، و أفقرناها وبورناها للأبد، لنكسب بدلا منها مساكن قبيحة وغير صحية، وغير صالحة للسكن ، لا تتناسب  مع مناخنا الحار والرطب فى الصيف، مع كل ما ترتب على ذلك من آثار أخلت فى النهاية بحق المواطن المصرى فى السكن الصحى.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية