الأحد، 10 يونيو 2012

حوار عن الأناركية


- ما أهم ملامح الفكر الأناركى؟
لكى نحدد أهم ملامح الفكر الأناركى علينا أن نحدد أولا أن هناك نوعان من السلطة فى العلاقات الإنسانية والاجتماعية فى الدولة والأسرة والعمل والتعليم، السلطة الأولى متعالية ومنفصلة عن الإرادة الحرة للخاضعين لها، وهى السلطة المرفوضة تماما من قبل الفكر الأناركى، ويشكل رفضها جوهره مهما بلغت مدارسه المختلفة من اختلافات، وهناك سلطة تنبع من التوافق الحر لإرادات الخاضعين لها وهى السلطة التى يسعى لها الأناركيون، ولكن من أين تأتى تلك السلطة المتعالية المرفوضة منهم، أنها تأتى من أن أحد أطراف العلاقة  وهو المتسلط  يحوز على أحد أو كل مصادر السلطة المادية دون الطرف الآخر المتسلط عليه، وهى الثروة والعنف والمعرفة، ومن ثم يسعى التيار الرئيسى فى الأناركية أن تكون هذه المصادر مشاعا بين الناس، لكى لا يستطيع شخص أو جهة يحوز عليها أن يتسلط على المحروم منها، إلا أن هناك تيارات أخرى أناركية هامشية مع الملكية الفردية والتعاونية، ولكى نصل إلى الملمح الثانى علينا أيضا أن نفرق بين نوعين من إدارة العلاقات الاجتماعية فى الجماعات البشرية المختلفة، النوع السلطوى وفيه ينفرد شخص أو هيئة باتخاذ القرارات التى تؤثر فى الآخرين من الخاضعين لأوامره أو لأوامرهم، وهو مرفوض من الفكر الأناركى تماما، والنوع اللاسلطوى وفيه يتم التوافق بين الناس لاتخاذ القرارات التى تؤثر على حياتهم، وعلينا هنا أن نفرق بين قرار فنى يتخذه المختص فى مجاله، وهذا من شأن المختص وحده، وقرار سياسى يحدد سياسة الجماعة البشرية وهذا ما يتخذه أفرادها بالتوافق بينهم وتفضل اتجاهات أخرى القبول برأى الغالبية.
-كيف يصل المرء إلى الفكر الأناركى؟
فى الحقيقة نحن البشر جماعات وأفراد نمارس الأناركية عمليا حتى ولو كنا لا نعلم عنها شيئا،مثال ذلك التكافل والتعاون الطوعى بين الناس فى الأحياء الشعبية والقرى فى المناسبات المختلفة ، ومثل الجمعيات الشهرية التى يحلون بها مشاكلهم الاقتصادية،  ومثل حماية الناس لمساكنهم ومحلاتهم و تنظيمهم للمرور أثناء الانفلات الأمنى، مثل الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، مثل الإدارة الذاتية لمنشئات العمل من قبل العاملين بها التى يهجرها ملاكها وغير ذلك كثير، ويمكن ببساطة أن ننتقل للفكر الأناركى من خلال تلك الممارسات العملية عندما نستهدف تعميمها على كل العلاقات الإنسانية و المؤسسات الاجتماعية. كذلك فنحن كبشر نفضل الأناركية كموقف للحياة حتى ولو كنا نرفضها نظريا، فنحن فطريا نرفض أن يتخذ أحد غيرنا قرارات تؤثر على حياتنا ونرفض تقييد حريتنا، و نرفض التدخل فى حياتنا، ونريد طبيعيا مساحة أوسع من الحريات، وهو ما تهدف الأناركية لتحقيقه لكل البشر.. والوصول للفكر الأناركى يبدأ من اكتشاف الأثر المدمر للعلاقات السلطوية على البشر نفسيا و جسمانيا واجتماعيا والبحث عن شكل مختلف من العلاقات والمؤسسات التى يختفى فيها هذا الأثر المدمر.
كيف يمكن التعايش في ظل اللاسلطوية ؟.. أو بكلمة أخرى كيف يعالج الفكر الأناركي الحياة بلادولة؟
بداية يجب أن نشير إلى أن الأناركية تعادى الفوضى الاجتماعية كما تعادى السلطوية سواء بسواء، فالفوضى الاجتماعية تؤدى بالضرورة للنقيض المطلق للأناركية وهى الفاشية، فالأناركية مع مجتمع منظم بشكل أرقى يضمن التخلص من الفوضى الحقيقية  التى تحدثها العلاقات والمؤسسات السلطوية فى المجتمع بالفعل، أما عن هذا الشكل المنظم فيقوم على أساس شبكة واسعة من التعاونيات التحررية لنميزها عن التعاونيات الرأسمالية والبيروقراطية المرفوضة من التيار الرئيسى للأناركية، وهو الاشتراكية التحررية، تلك التعاونيات تتحد وتنفصل طوعيا من أسفل لأعلى  لكى تلبى كافة احتياجات البشر المختلفة ، وتقوم فى إدارتها على الديمقراطية المباشرة، فبدلا من الهرم السلطوى للدولة حيث تتركز السلطة فى المركز وتقل كلما هبطنا للقاعدة، فإن توزيع السلطة فى المجتمع الأناركى يركز السلطة أكثر فى القاعدة وتقل كلما صعدنا للأعلى، ومن ثم فتحقيق أقصى حد ممكن من الاكتفاء الذاتى شرط  هام يضمن استقلالية وحرية أكثر للتعاونيات واتحاداتها المحلية عن الاتحادات الأعلى، يبقى أن أشير أن الأناركية مشروع عالمى لأن الرأسمالية هى نمط إنتاج ونموذج دولة عالمى بطبيعته لا يمكن الفكاك منه وتجاوزه إلا على نطاق عالمى وفى إطار ثورة عالمية لا مجال لطرحه كاملا على نطاق محلى إلا على أساس الاقتراب التدريجى وليس تحقيقه كاملا.
كم عدد الأناركيين فى مصر؟
لا أعرف بالطبع و لا يمكن لأحد أن يعرف حجم الأناركيون ومدى مشاركتهم فى تلك الثورات فالأناركيون لايشكلون تنظيما وليس لهم هياكل تنظيمية هرمية وليس لهم قادة أو زعماء، ويعتمدون فى التواصل والتنسيق والدعاية والتحريض على الأنترنت، والتنسيق الشبكى والعمل الفردى التطوعى، و ينتظمون أحيانا فى مجموعات تسمى مجموعات الألفة، تتشكل من أعداد قليلة أقرب للأصدقاء،واتحادات لهذه المجموعات، وقد لايحب بعضهم أن يعلن نفسه، اعتقد أن الانترنت وهى أداة أناركية بالمناسبة تعتمد على فكرة الشبكية، سببت انتشار هذا التيار بشكل انفجارى فى السنوات الأخيرة خاصة بعد الثورة و فى هذا العالم الافتراضى لا يمكن أن تحدد كم؟ و من؟ و أين؟ و متى؟.
وما هو تاريخ بداية وجودهم في مصر ؟
تواجد الأناركيون فى أوساط الجاليات اليونانية والإيطالية فى نهاية القرن التاسع عشر، وشاركوا العرابيين ثورتهم  ومقاومتهم للإحتلال الإنجليزى للبلاد باعتبارهم أمميين، وأسسوا جامعة شعبية فى أحد المسارح بالأسكندرية ، واشتركوا فى تكوين نقابات عمالية، واصدروا بعض المطبوعات، وشارك بعضهم فى تأسيس الحزب الاشتراكى 1921، ثم أختفوا من التاريخ المصرى إلا من بعض الحالات الفردية القليلة، حتى ظهروا مع نهاية القرن العشرين على الأنترنت
ما أهم تجارب الأناركيين فى مصر؟
أهم تجربة لهم هى مشاركتهم فى كل فعاليات الثورة المصرية الحالية، فضلا عن ما سبق ذكره من تجارب تاريخية.كما تمت كتابة وترجمة العديد من المقالات والدراسات والكتب ونشرها على الأنترنت خلال السنوات الماضية.
ما أهم الـأحداث التى ساهم فيها الأناركيون على مستوى العالم؟
 أريد أن أشير إلى أننا نحتفل فى أول مايو من كل عام بعيد العمال العالمى تخليدا لذكرى اعدام قادة اضراب شيكاغو 1881 الذين كانوا أناركيين، أما أهم الأحداث الذى برز فيها دور الأناركيين فهى كوميونة باريس 1871 ، الثورة الروسية1917، الثورة الأسبانية 1936، حركة مناهضة العولمة والحرب فى بداية القرن الحالى، وتجربة المجتمع الأناركى المستمر منذ 15 عاما فى أقليم تشيباس فى المكسيك بقيادة حركة زاباتيستا، وأخيرا حركة احتلوا الميادين الحالية فى إطار ما يشبه ارهاصات ثورة عالمية بدأت شرارتها فى تونس وأشعلت الربيع العربى لتنتقل للعالم.
ماعلاقة الأناركية ببقية الأيدلوجيات مثل الاشتراكية أوالماركسية ؟
التيار الرئيسى والأساسى فى الحركة الأناركية هو تيار الاشتراكية التحررية وهو يرفض كل من الرأسمالية والدولة، وينتقد الماركسية بنموذجها السلطوى والدولتى للاشتراكية إلا أن معظم الاشتراكيين التحرريين بالطبع متأثرون بالتراث العلمى الهائل للماركسية خاصة فيما يتعلق بنقدها للرأسمالية وما قدمته من فهم علمى للتطور الاجتماعى. ويشددون على رفض كل ما قدمته اللينينية ومدارسها المختلفة من أفكار وممارسات، كما يرفضون أيضا الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية على السواء
هل يميل المذهب الأناركى دائما للعنف والفوضى؟
العكس هو الصحيح تماما و على عكس ما تشيعه السلطات الحاكمة و أبواقها الإعلامية دائما فمن الناحية التاريخية هم أقل التيارات الفكرية والسياسية التى مارس أعضاءها العنف، بعض الأفراد المنتسبون لهم مارسوا بعض أعمال الأرهاب فى نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وسببوا تلك السمعة الظالمة للأناركيين، لكن الأناركيون شاركوا فى الحربين الأهليتين الروسية والأسبانية، وانتهى تاريخهم مع العنف منذ هذا اللحظة، الأناركيون نظريا وعمليا ضد العنف المنفصل عن الجماهير، وضد العسكرة مبدأيا نظرا للطبيعة السلطوية للعسكرية، لكنهم مع حق الدفاع عن النفس ضد من يعتدى عليهم فى نفس الوقت، الأناركيون لا يقودون الجماهير وإنما ينحازون لها فى نضالاتها المختلفة، ودورهم منحصر فى إرشادها لتنظيم نفسها، وهم لا يسعون للسلطة على أى نحو ومن ثم لا يشاركون مبدأيا فى الانتخابات البرلمانية ولا فى الانقلابات العسكرية ولا فى جماعات الكفاح المسلح المختلفةـ فلماذا يمارسون العنف أصلا إذا كانوا لا يسعون للسلطة.

هل ساهم الأناركيون المصريون فى الثورة المصرية؟
عمليا الثورة المصرية نموذج أناركى فى الممارسة الثورية فهى ثورة بلا زعماء ولا قادة قامت على أسس شبكية فى التحريض والدعاية والتنظيم، وقد شارك فيها الأناركيون كأفراد، وما يزالوا يشاركون على أساس فردى وطوعى.
يسند إليكم أيها الأناركيون في الآونة الأخيرة أحداث الفوضى وإحراق الدولة وأيضا أحداث متوقع حدوثها في 25 يناير القادم ؟
اعتقد ان اجابتى السابقة فيها قدمنا الرد الكافى على تلك الدعاية المغرضة التى تريد أن تقدمنا كشماعة لتبرير إجراءات استبدادية لتصفيتنا ومن أجل تقديمنا كمتهمين بالعنف والفوضى ومن أجل التستر على المجرمين الفعليين وراء هذه الأحداث، و المستفيدين من خلق رابط وهمى بين الإنفلات الأمنى والثورة لتنفير الجماهير من الثورة، وتبرير الثورة المضادة أمامها وحشدهم لصفوفها، ولكى يجعلوا تلك الجماهير نفسها  تطالب بالاستبداد طلبا للأمن، نحن لسنا السبب فى العنف والانفلات الأمنى فمن يحكمونا قادرين فى يومين بفرقتين صاعقة فقط أن يطهروا البلاد من كل الفلول والبلطجية لو شاءوا، وأجهزة أمنهم قادرة على كشف الطرف الثالث الذى يزعمون وجوده لو كان له وجود، ولكنهم لا يريدون، لأنهم يرغبون فى استمرار العنف من أجل فرض السيطرة على الجماهير وإعادة انتاج النظام.
وما هو شكل مشاركتكم في مظاهرات الخامس والعشرين من يناير القادم في الذكرى الأولى للثورة؟
أنا لا أعبر إلا عن نفسى فقط وعموما الأناركيون ليس لهم قادة أو زعماء يمكنهم أن يحددوا لهم ما يفعلونه وما لا يفعلونه، لكن الأناركيون مبدأيا يشاركون الجماهير احتجاجاتها المختلفة،و هم آخر من يغادرون صفوف الثوار، وهم مع الثورة حتى تحقق أقصى ما يمكن من أهدافها.
فما هو حلم الأناركيين الذي يحلمون بتحقيقه في مصر ؟
هل يمكن أت نتحدث عن مشروعنا فى مصر ونحن قد صرحنا أن ما نطرحه من تجاوز الرأسمالية كحضارة لن يتم سوى على نطاق عالمى وفى إطار ثورة عالمية  لو تجاوزنا هذا التصريح قليلا فإننا نريد لمصر ديمقراطية أكثر جذرية تتضمن اللامركزية الإدارية والديمقراطية المباشرة والإدارة الذاتية لمنشئات العمل والسكن وتعميم التعاونيات وفرص عمل لكل الناس فى أعمال منتجة ومفيدة اجتماعيا وانشاء اقتصاد انتاجى  مكتفى ذاتيا و نريد كفالة كل حقوق الإنسان وحرياته
أحب أن أشير إلى ما كتبته فى مقالى الأخير حول ما أثير عن اسقاط الدولة المصرية كتبت "حسب توقعات علمية مؤكدة و وفق دراسات مدققة، المصريون مهددون فعليا بالانقراض فى العقود القليلة المقبلة، بسبب ضياع الأرض الزراعية للأبد،ونضوب الغاز والبترول، والانفجار السكانى، وتضخم الديون، والتهديد البيئى بغرق الدلتا والساحل الشمالى، والفقر المائى، والاقتصاد الريعى والخدمى الهش، والانحدار الحضارى والثقافى والتعليمى والأخلاقى، وهذا ليس بحديث انشاءى بل واقع ملموس لا تخطئه عين، وهى أسباب تسبب فيها النظام المملوكى الذى لم يسقط بعد، و سوء إدارة المافيا التى مازلت تحكمنا، و تفضيلها لتلبية مصالحها الأنانية على حساب مصالح الشعب، و لا يهدد هذا البلد بالطبع بضع مئات من الأناركيين والاشتراكيين الثوريين لاحول لهم ولا قوة إلا كلمات ينشرونها بين الناس فأفيقوا لعلكم تنقذون ما يمكن انقاذه إذا كنتم حقا تحبون هذا البلد كما تدعون، وحريصون على مستقبل أبناءكم كما تظنون".
وأخيرا حدثنا عن الفشل التاريخي للأناركية ؟
تعانى الحركة الأناركية فعلا فشلا تاريخيا فهى منذ نشوءها فى أواسط القرن التاسع عشر لم تحقق مجتمعها المنشود إلا فى فترات محدودة للغاية أثناء الحربين الأهليتين الروسية والأسبانية انتهت بهزيمتهم ثم تجربة أقليم تشيباس بالمكسيك، ويبدوا أن هناك مشاكل نظرية وعملية تعوقهم عن تحقيق مشروعهم،إلا أن هذا لاينفى وجود أسباب موضوعية أيضا تعوق تحقق هذا المشروع منها الطبيعة العالمية للرأسمالية واستحالة الاكتفاء الذاتى محليا وغيرها.





0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية