الأحد، 10 يونيو 2012

افتتاحية الحوار المتمدن حول الحركة الاشتراكية التحررية وصعودها مجددا وعلاقاتها بربيع الثورات الحالى



افتتاحية الحوار المتمدن
حول الحركة الاشتراكية التحررية وصعودها مجددا وعلاقاتها بربيع الثورات الحالى
سامح سعيد عبود
نشأت الحركة الاشتراكية التحررية فى أواسط القرن التاسع عشر لتشكل العمود الفقرى والاتجاه الرئيسى فى الحركة الأناركية  بمدارسها المختلفة والمتناقضة، والتى يجمعها جميعا رفض السلطة المتعالية والمنفصلة عن إرادة الخاضعين لها فى كل العلاقات الاجتماعية والإنسانية، وكان نشوء الحركة الاشتركية التحررية نتيجة كل من أولا التدخل المتزايد للدولة البرجوازية الحديثة فى حياة الأفراد، ومؤسسات المجتمع المدنى المختلفة، ومجتمعات الإكتفاء الذاتى، والحكم الذاتى المحلى فى القرى والبلدات المختلفة، سواء داخل الدولة القومية الحديثة أو داخل الإمبراطوريات الاستعمارية، وتقييد الدولة المركزية الحديثة لحرية ولاستقلالية تلك التجمعات البشرية، والقضاء على التنوع الاجتماعى والثقافى فى الثقافات والعادات والتقاليد والأعراف المحلية بالتنميط والقولبة عبر مركزية الدولة الحديثة، و ثانيا الرأسمالية التنافسية المتوحشة التى ميزت القرن التاسع عشر، و التى لم تكن اكتسبت الخبرة بعد لتخفى أو تخفف حدة الصراع الطبقى المحتدم، هذا على مستوى الظروف الاقتصادية و الاجتماعية والسياسة التى نشأت على خلفيتها الحركة الاشتراكية التحررية، إلا أن الحركة أيضا كانت وليدة فكريا لرفض مفهوم اشتراكية الدولة الماركسية، برغم تأثر معظم الاشتراكيين التحرريين بالجوانب العلمية فى الماركسية خاصة فيما يتعلق بنقد الرأسمالية و فهم التطور الاجتماعى، وقد أثبتت التجربة التاريخية صحة هذه الانتقادات حيث أعادت الدولة العمالية إنتاج المجتمع الطبقى والاستغلال والقهر مجددا.
أما أهم الأحداث الذى برز فيها دور الأناركيين فهى كوميونة باريس 1871 ، الثورة الروسية1917، الثورة الأسبانية 1936، حركة مناهضة العولمة والحرب فى بداية القرن الحالى، و أريد أن أشير إلى أننا نحتفل فى أول مايو من كل عام بعيد العمال العالمى تخليدا لذكرى اعدام قادة اضراب شيكاغو 1881 الذين كانوا أناركيين،  وتجربة المجتمع الأناركى المستمر منذ 15 عاما فى أقليم تشيباس فى المكسيك بقيادة حركة زاباتيستا، وأخيرا حركة احتلوا الميادين الحالية فى إطار ما يشبه ارهاصات ثورة عالمية بدأت شرارتها فى تونس وأشعلت الربيع العربى لتنتقل للعالم، ولم تكن مصر كنموذج للبلاد العربية ببعيدة عن ذلك حيث تواجد الأناركيون فى أوساط الجاليات اليونانية والإيطالية فى نهاية القرن التاسع عشر، وشاركوا العرابيين ثورتهم  ومقاومتهم للإحتلال الإنجليزى للبلاد باعتبارهم أمميين، وأسسوا جامعة شعبية فى أحد المسارح بالأسكندرية ، التى كانت منفى أنريكوا مالاتيستا أحد الرموز الأناركية الكبيرة، واشتركوا فى تكوين نقابات عمالية، واصدروا بعض المطبوعات، وشارك بعضهم فى تأسيس الحزب الاشتراكى 1921، ثم أختفوا من التاريخ المصرى إلا من بعض الحالات الفردية القليلة المرتبطة بجماعة الخبز والحرية فى الأربعينات كجورج حنين.
ومع نهاية ثلاثينات القرن العشرين انزوت الحركة الاشتراكية التحررية تماما بعد هزيمتها فى الحرب الأهلية الأسبانية، نظرا لصعود دولة الرعاية الاجتماعية التى قادها الجناح الاشتراكى الديمقراطى الإصلاحى من جهة، و من جهة أخرى انجازات نموذج رأسمالية الدولة البيروقراطية الذى أسسه الجناح الشيوعى الثورى، و من جهة ثالثة حركات التحرر الوطنى فى العالم الثالث الذى ارتبطت أيضا بنموذج رأسمالية الدولة الوطنية مثال عبد الناصر فى مصر ،و كان مما ميز القرن العشرين أيضا تصاعد الرأسمالية الاحتكارية و رأسمالية الدولة عموما والتى تميزت بعمالة منتظمة مستقرة مرتفعة فى مستوى معيشتها، وتقلص تنافسية الرأسمالية، و توارى الجوانب المتوحشة فيها التى خففت من حدة الصراع الطبقى، مما أضعف من جذرية العداء للرأسمالية فى أوساط البروليتاريا، وهو ما عرف بربع القرن المجيد الذى تلى الحرب العالمية الثانية.
مع نهاية القرن العشرين دخل التطور الرأسمالى مرحلته الثالثة المسماة بالرأسمالية الكوكبية  لتظهر بقوة مجددا الملامح المتوحشة للرأسمالية التى عرفتها فى القرن التاسع عشر وخصوصا مع انهيار كل من رأسمالية الدولة البيروقراطية ودولة الرعاية الاجتماعية والفكرة القومية ، وفى ظل هذه الظروف عادت الاشتراكية التحررية مرة أخرى كأفكار ثورية أكثر جاذبية مما مضى بعد أن أنحسرت الشيوعية السلطوية الدولتية وانهارت الاشتراكية الديمقراطية وانكسرت حركات التحرر الوطنى . وكان مما ساعد على هذا الصعود أيضا ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة وعلى رأسها الأنترنت. وعمليا الثورة المصرية وكذلك ثورات الربيع العربى هى نماذج أناركية فى الممارسة الثورية فهى ثورات بلا زعماء ولا قادة وقد قامت على أسس شبكية باستخدام الأنترنت فى التحريض والدعاية والتنظيم، وقد شارك فيها الأناركيون كأفراد، وما يزالوا يشاركون فيها على أساس فردى وطوعى. و لا يعرف حجم الأناركيون ومدى مشاركتهم فى تلك الثورات، فالأناركيون لايشكلون تنظيما وليس لهم هياكل تنظيمية هرمية وليس لهم قادة أو زعماء، ويعتمدون فى التواصل والتنسيق والدعاية والتحريض على الأنترنت، والتنسيق الشبكى والعمل الفردى التطوعى، و ينتظمون أحيانا فى مجموعات تسمى مجموعات الألفة، تتشكل من أعداد قليلة أقرب للأصدقاء،واتحادات لهذه المجموعات، وقد لا يحب بعضهم أن يعلن نفسه، اعتقد أن الانترنت وهى أداة أناركية بامتياز تعتمد على فكرة الشبكية، قد سببت انتشار هذا التيار بشكل انفجارى فى السنوات الأخيرة خاصة بعد الثورة و فى هذا العالم الافتراضى لا يمكن أن تحدد كم؟ و من؟ و أين؟ و متى؟. و هم يتعرضون الآن هم والاشتراكيين الثوريين لحملة من قوى الثورة المضادة ممثلة فى المجلس العسكرى الحاكم والإسلاميين بمحاولة اتهامهم بالعنف والإرهاب تمهيدا لتصفيتهم ، و اتخاذهم مبرر لعودة النظام الاستبدادى المتورط الفعلى فى استمرار العنف الحالى فى مصر.
و لا شك أن كل من الأزمة الأقتصادية الكبرى و أزمة الديمقراطية البرجوازية التى يعيشها العالم حاليا والتى تدل على فشل الرأسمالية بنموذجها الديمقراطى التمثيلى تشكل حافز جديد لهذا الفكر أن يصعد مجددا .
فالعلاقات الأنسانية القائمة على الطمع و المنفعة والتنافس والتسلط هى أساس كل الشرور وما مؤسسات الدولة البرجوازية و الرأسمالية إلا هياكل تجسيد تلك  الأطماع و العلاقات النفعية والتسلطية و التى فى النهاية تؤدى الى الفقر و القهر و الاغتراب و الدولة هى راعية لهذه الأمراض عن طريق القوانين و النظم و الأعراف التى تسنها و تدافع عنها لضمان مصالح من يسمون أنفسهم بالنخب الاقتصادية و السياسية والثقافية والاجتماعية و يصل الفكر الاشتراكى التحررى إلى نتيجة أن الدولة بشكلها الحالى و ما تمثله و تدافع عنه هى سبب كل الشرور و الخراب و بالتالى يجب السعى الى تدمير هذا الكيان السياسي و خلق كيان جديد قائم على التعاون و التشارك،لا التنافس والتدافع بين الناس، و ما أفكار مثل التعاونيات التحررية والاقتصاد التشاركى و اقتصاد إدارة الموارد والديمقراطية المباشرة، إلا أمتداد لهذه الأفكار الأناركية ذات الصبغة الأشتراكية و غيرها، فضلا عن المدارس الأناركية التقليدية و النقابية والمجالسية، و نستطيع أن نقول أن الفكر الاشتراكى التحررى يلعب الآن دورا جديدا ربما لتكوين نواة لفكر أقتصادى و أجتماعى جديد بديل عن كلا من الرأسمالية والدولة.
 لكن الحقيقة الجلية تقول أن الحركة الاشتراكية التحررية تعانى فعلا فشلا تاريخيا فهى منذ نشوءها فى أواسط القرن التاسع عشر لم تحقق مجتمعها المنشود إلا فى فترات محدودة للغاية أثناء الحربين الأهليتين الروسية والأسبانية انتهت بهزيمتها ثم تجربة أقليم تشيباس بالمكسيك، ويبدوا أن هناك مشاكل نظرية وعملية تعوقهم عن تحقيق مشروعهم، إلا أن هذا لا ينفى وجود أسباب موضوعية أيضا تعوق تحقق هذا المشروع منها الطبيعة العالمية للرأسمالية واستحالة الاكتفاء الذاتى محليا وغيرها، وفى نفس الوقت فإن هناك أسباب موضوعية تدفع بهذا الصعود الحركى والفكرى.
وجدير بالذكر أن السنوات العشر الماضية صعدت الحركة الاشتراكية التحررية فى العالم بأسره على نحو انفجارى نتيجة لانتشار الأنترنت، وأنها ثبتت أقدامها فى المنطقة العربية التى لم تعرف هذا الاتجاه من قبل وخصوصا فى ظل الموجة الثورية التى اندلعت العام الماضى بدءا من تونس لتصل إلى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوربى.
ختاما هناك اشكاليات كثيرة فيما يتعلق بالحركة الاشتراكية التحررية أرجوا أن يكون هذا الحوار بداية لطرحها بعمق والإلمام بجوانبها المختلفة ومحاولة الوصول لحلول لها .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية